القسوة الّتي هي سبب الكفر والقتل. فجرّهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه
إلى الكفر بالآيات وقتل النّبيّين ، ولهذا صغار الذنوب سبب يؤدّي إلى ارتكاب
كبارها ، كما أنّ صغار الطاعات أسباب مؤدّية إلى تحرّي كبارها.
وقيل : «ذلك»
إشارة أيضا إلى ضرب الجزية والذلّة والبوء بالغضب ، فكرّر الإشارة للدلالة على أنّ
ما لحقهم من ضرب الذلّة والمسكنة والبوء بالغضب كما هو بسبب الكفر والقتل ، كان
أيضا بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله.
واعلم أنّ
التخلية بين الكفّار وقتل الأنبياء إنّما جاز لينال الأنبياء من رفع المنازل
والدرجات ما لا ينالونه بغير القتل ، فليس ذلك بخذلان ، كما أنّ التخلية بين
المؤمنين والأولياء والمطيعين وبين قاتليهم ليست بخذلان لهم.
وبعد ذكر حال
أهل الكفر والعناد بشّر أهل الإيمان الحقيقي بالفوز الأبدي والفلاح السرمدي يوم
المعاد بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا) أي : أظهروا الإيمان بألسنتهم من غير مواطاة القلوب ،
يريد به المنافقين ، لانخراطهم في سلك الكفرة.
(وَالَّذِينَ هادُوا) تهوّدوا. يقال : هاد وتهوّد إذا دخل في اليهوديّة ، وهو
هائد. ويهود إمّا عربيّ من «هاد» إذا تاب ، سمّوا بذلك لمّا تابوا من عبادة العجل.
وأصله الميل ، كقوله تعالى : (إِنَّا هُدْنا
إِلَيْكَ) أي : ملنا. ويقال لمن تاب : هاد ، لأنّ من تاب عن شيء
مال عنه. وقيل : سمّوا بذلك لأنّهم مالوا عن دين الإسلام. وإمّا معرّب