ولمّا عدّد
سبحانه فيما قبل ما أعطاه عليهم من النعم والإحسان ، ذكر ما قابلوا به تلك النعم
من الكفران ، وسوء الاختيار لنفوسهم بالعصيان ، فقال : (وَإِذْ قُلْتُمْ) أي : قال أسلافكم من بني إسرائيل : (يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ) لا نطيق حبس أنفسنا (عَلى طَعامٍ واحِدٍ) يريد به ما رزقوا في التّيه من المنّ والسّلوى ،
وبوحدته أنّه لا يختلف ولا يتبدّل ، كقولهم : طعام مائدة الأمير واحد ولو كان على
مائدته ألوانا ، وفلان لا يأكل إلا طعاما واحدا ، يريدون أنّه لا يتغيّر ألوانه ،
ولذلك ملّوا وسئموا ، أو نوعا واحدا ، لأنّهما معا طعام أهل التلذّذ ، وهم كانوا
فلّاحة ، فاشتاقوا إلى أصلهم ، واشتهوا على ما ألفوه.
(فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) سله لنا بدعائك إيّاه (يُخْرِجْ لَنا) يظهر لنا ويوجد. وجزمه بأنّه جواب (فَادْعُ) ، فإنّ دعوته سبب الإجابة (مِمَّا تُنْبِتُ
الْأَرْضُ) من الإسناد المجازي وإقامة القابل مقام الفاعل ، و «من»
للتبعيض.
وقوله : (مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها
وَعَدَسِها وَبَصَلِها) تفسير وبيان وقع موقع الحال. وقيل : بدل بإعادة الجارّ.
والبقل ما
أنبتته الأرض من الخضر. والمراد به أطائبه الّتي يأكلها الناس ، كالنعناع والكرفس
والكرّات. والفوم : الحنطة. ويقال للخبز ، ومنه : فوّموا لنا ، أي : اخبزوا لنا.
وقيل : الثوم.
(قالَ) أي : الله أو موسى (أَتَسْتَبْدِلُونَ
الَّذِي هُوَ أَدْنى) أقرب منزلة وأدون قدرا. وأصل الدنوّ القرب في المكان ،
فاستعير للخسّة ، كما استعير البعد للشرف والرفعة ، فقيل : بعيد المحلّ بعيد الهمّة
، يريدون الرفعة والعلوّ. (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يريد به المنّ والسّلوى ، فإنّه خير في اللذة والنفع
وعدم الحاجة إلى السعي.
(اهْبِطُوا مِصْراً) انحدروا من التّيه إلى مصر من الأمصار. يقال : هبط
الوادي إذا نزل به ، وهبط منه إذا خرج منه.