قال الحسن
البصري : لم يخلق الله آدم إلّا للأرض ، ولو لم يعص لأخرجه على غير تلك الحال.
وقال غيره : يجوز أن يكون خلقه للأرض إن عصى ، ولغيرها إن لم يعص. وهو الأقوى.
واعلم أنّ
التوبة عبارة عن الندم على ما مضى من القبيح ، والعزم على أن لا يعود إلى مثله في
القبح ، فإنّ هذه التوبة أجمع المسلمون على سقوط العقاب عندها ، واختلفوا فيما
عداها. وكلّ معصية لله تعالى يجب التوبة منها. وعندنا يصحّ التوبة من ترك الندب ،
ويكون ذلك على وجه الرجوع إلى فعله. وعلى هذا يحمل توبة الأنبياء عليهمالسلام في جميع ما نطق به القرآن. وقبول التوبة وإسقاط العقاب
عندنا تفضّل من الله تعالى ، لكن لمّا وعدنا الله تعالى بذلك علمنا أنّه لا يخلف
الميعاد. وعند جميع المعتزلة واجب عليه.
وأمّا التوبة
من قبيح مع الإقامة على قبيح آخر يعلم أو يعتقد قبحه ، فعند أكثر المتكلّمين هي
صحيحة ، وعند أبي هاشم وأصحابه لا يصحّ. ودليل الأوّلين أنّه كما يجوز أن يمتنع عن
قبيح لقبحه مع أنّه يفعل قبيحا آخر وإن علم قبحه ، كذلك يجوز أن يندم من قبيح مع
المقام على قبيح آخر يعلم قبحه.
ولمّا أمر
سبحانه أوّلا بإهباطهم من الجنّة إلى السماء أمرهم ثانيا بإهباطهم إلى الأرض فقال
: (قُلْنَا اهْبِطُوا
مِنْها جَمِيعاً) فلا تكرير في الإهباط. و «جميعا» حال في اللفظ تأكيد في
المعنى ، كأنّه قيل : اهبطوا أنتم أجمعون ، ولذلك لا يستدعي اجتماعهم على الهبوط
في زمان واحد ، كقولك : جاؤا جميعا.