ذكر ذلك الحافظ السمعاني. و ذكر أبو عبد اللّه المرزباني أن والد الفراء كان أقطع، لانه حضر وقعة الحسين «ع» فقطعت يده في ذلك الحرب-انتهى كلام اليافعي.
و قال اليافعي فيه أيضا: توفى الامام البارع النحوي يحيى بن زياد الفراء الكوفي أحد أصحاب الكسائي، كان رأسا في النحو و اللغة، أبرع الكوفيين و أعلمهم بفنون الادب، على ما ذكر بعض المؤرخين في سنة سبع و مائتين.
و حكى عن يمامة بن الاشرس النمري المعتزلي-و كان خصيصا بالمأمون-انه صادف الفراء على باب المأمون يروم الدخول عليه، قال: فرأيت أبهة أديب، فجلست اليه فناقشته عن اللغة فوجدته بحرا و قايسته عن النحو فشاهدته نسيج وحده، و عن الفقه فوجدته رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم، و بالنجوم ماهرا و بالطب خبيرا و بأيام العرب و أشعارها حاذقا، فقلت: من تكون و ما أظنك الا الفراء. قال: أنا هو، فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون، فأمر باحضاره لوقته و كان ذلك سبب اتصاله به.
و قال قطرب: دخل الفراء على الرشيد فتكلم بكلام لحن فيه مرات، فقال جعفر بن يحيى البرمكي انه قد لحن يا أمير المؤمنين. فقال الرشيد: أ تلحن؟ فقال الفراء: يا أمير المؤمنين ان طباع أهل البدو الاعراب و طباع أهل الحضر اللحن فاذا تحفظت لم ألحن فاذا رجعت الى الطبع لحنت، فاستحسن الرشيد قوله.
قلت: و أيضا فان عادة المنتهين في النحو لا ينسدفون بالمحافظة على اعراب كل كلمة عند كل أحد، بل قد يتكلمون بالكلام الملحون تعمدا على جاري عادة الناس، و انما يبالغ في التحرز و التحفظ عن اللحن في سائر الاحوال المبتدئون اظهارا لمعرفتهم بالنحو، و كذلك يكثرون البحث و التكلم بما هم