وَ كَلَالَةُ حَدّهِ وَ نَضِيضُ وَفْرِهِ، وَ مِنْهُمُ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَ الْمُعْلِنُ بِشَرّهِ، وَ الُمجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَ رَجْلِهِ، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ، وَ أَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ، أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ. وَ لَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَ مِمَّا لَك عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً! وَ مِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَ لَا يَطْلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنْ مِنْ شَخْصِهِ، وَ قَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَ شَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَ زَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ، وَ اتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ. وَ مِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُؤُولَةُ نَفْسِهِ، وَ انْقِطَاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ، وَ تَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَ لَيْسَ مِنْ ذلِكَ فِى مَرَاحٍ وَ لَا مَغْذًى.
الراغبون في اللَّه
وَ بَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَ أَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الَمحْشَرِ، فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ، وَ خَائِفٍ مَقْمُوعٍ، وَ سَاكِتٍ مَكْعُومٍ، وَدَاعٍ مُخْلِصٍ، وَ ثَكْلَانَ مُوجَعٍ، قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ وَ شَمَلَتْهُمُ الذُلِّةُ، فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ، أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ، وَ قُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ، قَدْ وَ عَظُوا حَتَّى مَلُّوا، وَ قُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا، وَ قُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا
التزهيد في الدنيا
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ، وَ قُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَ اتَّعِظُوا بِمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ، قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَ ارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً؛ فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ.