فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِك، وَ إِعْذاراً تَبْلُغُ به حاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيْمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ.
وَ لَاتَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكإِلَيْهِ عَدُوُّكوَ لِلَّهِ فِيهِ رِضىً، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكوَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ، وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّك بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّما قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَ اتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ. وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكعُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكبِالْوَفَاءِ، وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتَماعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ. وَ قَدْ لَزِمَ ذلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيَما بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَاتَخِيسَنَّ بِعَهْدِكوَ لَاتَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لَايَجْتَرِىءُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ. وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ، وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ. فَلَا إِدْغَالَ وَ لَامُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ، وَ لَاتَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ، وَ لَاتُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ. وَ لَايَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ، لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُاللَّهِ، إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَإِنَّ صَبْرَكعَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ. وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ، لَاتَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكوَ لَاآخِرَتَكَ.
إِيَّاكوَالدِّمَاءَ وَ سَفَكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْنَى لِنِقْمَةٍ، وَ لَاأَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَ لَاأَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا. وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِىءٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛