وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيْماً».
وَ أَمَّا بَعْدُ، فَلا تُطَوِّلَنَّ احْتَجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيْقِ، وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالأُمُورِ؛ وَ الْاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيْرُ، وَ يَعْظُمُ الصَّغِيْرُ، وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَايَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ، فَفِيَمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيْهِ، أَوْ فِعْلٍ كَرِيْمٍ تُسْدِيْهِ! أَوْ مُبْتَلىً بِالْمَنْعِ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَامَؤُونَةَ فِيْهِ عَلَيْكَ، مِنْ شَكَاةِ مَظْلَمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ.
ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبابِ تِلْكَ الأَحْوَالِ. وَ لَاتُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَتِكَ قَطِيْعَةً، وَ لَايَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيْهَا مِنَ النَّاسِ، فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ، يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ لَهُمْ دُوْنَكَ، وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ.
وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيْبِ وَ الْبَعِيْدِ، وَ كُنْ فِي ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعَاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ. وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحْمُودَةٌ.
وَ إِنْ ظَنَّتِالرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِاصْحارِكَ،