وَ إِنَّهُ لَاتَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ، وَ لَاتَصِحُّ نَصِيْحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيْطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَ تَرْكاسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ، فَافْسَحْ فِي آمَالِهمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَ تَعْدِيْدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَ لَاتَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِىءٍ إِلَى غَيْرِهِ وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ، وَ لَايَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيْراً، وَ لَاضَعَةُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً.
وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُك مِنَ الْخُطُوبِ، وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ؛ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: «يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيْعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ» فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ: الأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ، و الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ.
ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَاتَضِيْقُ بِهِ الْأُمُوْرُ وَ لَا تُمْحِّكُهُ الْخُصُوْمُ وَ لَايَتَمادَى فِي الزَّلَّةِ، وَ لَايَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَ لَايَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُوْنَ أَقْصَاهُ، وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَ أقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ، وَ أَصَرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لَايَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ، وَ لَايَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، وَ أُولئِكَ قَلِيْلٌ. ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيْلُ عِلَّتَهُ، وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ. وَاعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَايَطْمَعُ فِيْهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ، فَانْظُرْ فِي ذلِكَ نَظَراً بَلِيْغاً، فَإِنَّ هذا الدِّيْنَ قَدْ كَانَ أَسِيْراً فِي