إِذَا قدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً، وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَينِ مَاءٍ، نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعُهَا. أَتَمْتَلِىءُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ؟ وَ تَشْبَعُ الرَّبِيْضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ؟ وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ! قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ!
طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا، وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا، وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ، وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ، «أُوَلئِكَ حِزْبُ اللَّهِ، إِلَّا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ، لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ.
و من كتاب له (ع) (46)
إلى بعض عمّاله
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ، وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِيمِ، وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الَمخُوفِ. فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ، وَ اخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ، وَ ارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقَ أَرْفَقَ، وَاعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لَايُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ، وَ اخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالتَّحِيَّةِ، حَتَّى لَايَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ، وَ لَايَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ، وَالسَّلَامُ.