«إِذَا كَانَ هذَا قَوْتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتالِ الْأَقْرانِ، وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ». إِلَّا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَ الرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوْداً، وَ النّابتَاتِ العِذْيِة أَقْوَى وَقُودَاً وَ أَبْطَأُ حَمُوداً. وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّنْوِ مِنَ الضَّوِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ. وَاللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا. وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ، وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ، حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصْيِدِ.
ومن هذا الكتاب، و هو آخره:
إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ، وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ، وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ. أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ! أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ! فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُوْرِ، وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ! وَاللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً، وَ قَالَباً حِسِّيّاً، لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُوْدَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالأَمَانِي، وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي، وَ مُلُوكأَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ، وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ، إِذْ لَاوِرْدَ وَ لَاصَدَرَ! هَيْهَاتَ! مَنْ وَطِىءَ دَحْضَكِ زَلِقَ، وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ، وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حِبَائِلِكِ وُفِّقَ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لَايُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ، وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ.
أعْزُبِي عَنِّي! فَوَاللَّهِ لَاأَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، وَ لَاأَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي، وَ ايْمُ اللَّهِ- يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيْهَا بِمَشِيْئَةِ اللَّهِ- لَأَرُوضَنَّ نَفسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ