وَ بِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ، وَ إِلَيْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِكُمْ، وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ، وَ إِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ. فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَ بَصَرُ عَمى أَفْئِدَتِكُمْ، وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَ صَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَ طُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ، وَ جَلَاءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ، وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ، وَ ضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ. فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ، وَ دَخِيلًا دُونَ شِعَارِكُمْ، وَ لَطِيفاً بَيْنَ أَضْلَاعِكُمْ، وَ أَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ، وَ مَنْهَلًا لِحِينِ وُرُودِكُمْ، وَ شَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ، وَ جُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ، وَ مَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ، وَ سَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ، وَ نَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ. فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ، وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ، وَ أُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا، وَ احْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِها، وَ انْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا، وَ أَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ انْصَابِهَا، وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا، وَ تَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا، وَ تَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا، وَ وَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا.
فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ، وَ وَعَظَكُمْ، بِرِسالَتِهِ، وَ امْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ.
فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ، وَاخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ.
فضل الإسلام
ثُمَّ إِنَّ هذَا الْإِسْلَامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، وَ اصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ، وَ أَصْفَاهُ خِيَرَةَ خَلْقِهِ، وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ. أَذَلَّ الْأَدْيَانَ بِعِزَّتِهِ، وَ وَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ، وَ أَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ، وَ خَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ، وَ هَدَمَ أَرْكَانَ الضَّلَالَةِ بِرُكْنِهِ.