النعمة برسول اللَّه
فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ، وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ. كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا، وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا، وَ الْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا، فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ، وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ. قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ، فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ، وَ آوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ. وَ تَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابتٍ. فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ. يَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ كانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ. وَ يُمْضُونَ الْأَحْكامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ. لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ، وَ لَاتُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ.
لوم العصاة
أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ. وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكامِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هذِهِ الْأُمَّةِ فِيما عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هذِهِ الْأُلْفَةِ الَّتي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا، وَ يَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا، بِنِعْمَةٍ لَايَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الَمخْلُوقِينَ لَها قِيمَةً لِأَنَّها أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ، وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ.
وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَ بَعْدَ الْمُوَالاةِ أَحْزَاباً. مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِهِ. وَ لَاتَعْرِفُونَ مِنَ الْإِيمانِ إلَّارَسْمَهُ.
تَقُولُونَ: النَّارَ وَ لَا الْعَارَ! كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الْإِسلَامَ عَلَى وَجْهِهِ انْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ، وَ نَقْضاً لِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ. وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ، ثُمَّ لَاجَبْرَائِيلَ وَلَا مِيكائِيلَ