وَ يُبْغِضُ وَ يَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ. يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَهُ: «كُنْ فَيَكُونُ» لَا بِصَوْتٍ يَقْرَعُ، وَ لَا بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ. وَ إِنَّما كَلامُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَ مَثَّلَهُ، لَم يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كائِناً، وَ لَوْ كَانَ قَدِيماً لَكانَ إِلهاً ثَانياً.
لا يُقَالُ كانَ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الُمحْدَثَاتُ، وَ لَايَكُونُ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ فَصْلٌ، وَ لَا لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ، فَيَسْتَوِيَ الصَّانِعُ وَ الْمَصْنُوعُ، وَ يَتَكَافَأَ الْمُبْتَدَعُ وَ الْبَدِيعُ. خَلَقَ ألْخَلائِقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَ لَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ. وَ أَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ. وَ أَرْسَاهَا عَلَى غَيْرِ قَرَارٍ، وَ أَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ. وَ رَفَعَهَا بِغَيْرِ دَعَائِمَ. وَ حَصَّنَهَا مِنَ ألْأَوَدِ وَ الْإِعْوِجَاجِ. وَ مَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَ الْانْفِرَاجِ. أَرْسَى أَوْتَادَهَا، وَ ضَرَبَ أَسْدَادَهَا، وَ اسْتَفَاضَ عُيُونَها، وَ خَدَّ أَوْدِيَتَهَا. فَلَمْ يَهِنْ مَا بَنَاهُ وَ لَا ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ.
هُوَ الظَّاهِرُ عَلَيْهَا بِسُلْطَانِهِ وَ عَظَمَتِهِ، وَ هُوَ الْبَاطِنُ لَهَا بِعِلْمِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ، وَ الْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا بِجَلالِهِ وَ عِزَّتِهِ. لَايُعْجِزُهُ شَيْءٌ مِنْهَا طَلَبَهُ، وَ لَايَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبَهُ، وَ لَايَفُوتُهُ السَّرِيعُ مِنْهَا فَيَسْبِقَهُ، وَ لَايَحْتَاجُ إِلَى ذِي مَالٍ فَيَرْزُقَهُ. خَضَعَتِ الْأَشْيَاءُ لَهُ، وَ ذَلَّتْ مُسْتَكِينَةً لِعَظَمَتِهِ، لَا تَسْتَطِيعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ نَفْعِهِ وَ ضَرِّهِ، وَ لَاكُفْءَ لَهُ فَيُكَافِئَهُ، وَ لَانَظِيرَ لَهُ فَيُسَاوِيَهُ. هُوَ الْمُفْنِي لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا، حَتَّى يَصِيرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا.
وَلَيْسَ فَنَاءُ ألدُّنْيَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَ اخْتِرَاعِهَا. وَ كَيْفَ وَ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوَانِها مِنْ طَيْرِهَا وَ بَهَائِمِهَا، وَ مَا كَانَ مِنْ مُرَاحِهَا وَ سَائِمِهَا، وَ أَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَ أَجْنَاسِهَا، وَ مُتَبَلِّدَةِ أُمَمِهَا وَ أَكْيَاسِهَا، عَلَىإِحْدَاثِ بَعُوضَةٍ، مَا قَدَرَتْ عَلَى إِحْدَاثِهَا،