أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتي وَعَظَ الْأَنْبِيَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ. وَ أَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الْأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَ أَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا.
وَحَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا. لِلَّهِ أَنْتُمْ! أَتَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ، وَ يُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ؟
أَلَا إِنَّهُ قَدْ أَدْبَرَ مِنَ الدُّنْيا مَا كانَ مُقْبِلًا، وَ أَقْبَلَ مِنْهَا مَا كانَ مُدْبِراً، وَ أَزْمَعَ التَّرْحَالَ عِبَادُ اللَّهِ الْأَخْيَارُ، وَ بَاعُوا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا لَايَبْقَى، بِكَثِيرٍ مِنَ الْآخِرَةِ لَا يَفْنَى. مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ- وَ هُمْ بِصِفِّينَ- أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً، يُسِيغُونَ الْغُصَصَ وَ يَشْرَبُونَ الرَّنْقَ. قَدْ- وَ اللَّهِ- لَقُوا اللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ، وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ.
أَيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ؟ وَ أَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ؟ وَ أَيْنَ ذُوالشَّهَادَتَيْنِ؟ وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَ أُبْرِدَ بِرُؤُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ!
قال، ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة فاطال البكاء، ثم قال عليه السلام: أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ تَلَوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَ تَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا الْبِدْعَةَ. دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ.
ثمّ نادى بأعلى صوته
الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللَّهِ! أَلَا وَ إِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَوْمِي هذَا، فَمَنْ أَرَاد الرَّوَاحَ إِلَى اللَّهِ فَلْيَخْرُجْ!