النصح بالتقوى
أُوصِيكُمْ، عِبَادَ اللَّهِ، بِتَقْوَى اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ، فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً، وَ الْمَنْجَاةُ أَبَداً.
رَهَّبَ فَأبْلَغَ، وَ رَغَّبَ فَأَسْبَغَ. وَ وَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيا وَ انْقِطَاعَهَا، وَ زَوَالَهَا وَ انْتِقَالَهَا.
فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا. أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، وَ أَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ. فَغُضُّوا عَنْكُمْ- عِبَادَ اللَّهِ- غُمُومَهَا وَ أَشْغَالَهَا لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرُّفِ حَالاتِها. فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ، وَ الُمجِدِّ الْكادِحِ.
وَ اعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ. قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ، وَ زَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَ أَسْمَاعُهُمْ، وَ ذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَ عِزُّهُمْ، وَ انْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَ نَعِيمُهُمْ. فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا، وَ بِصُحْبَةِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا. لايَتَفَاخَرُونَ، وَ لَا يَتَنَاسَلُونَ، وَ لَا يَتَزَاوَرُونَ وَ لَا يَتَحَاوَرُونَ. فَاحْذَرُوا عِبَادَاللَّهِ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ، الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ، النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ. فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ، وَالْعَلَمَ قائِمٌ، وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ، وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ.
و من خطبة له (ع) (162)
لبعض أصحابه و قد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام و أنتم أَحقّ به؟ فقال:
يَا أَخَا بَني أَسَدٍ، إِنَّكَ لَقَلِقُ الوَضِينِ تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ، وَ لَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَ حَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وَ قَدْ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ: أَمَّا الاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ وَ نَحْنُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً، وَ الْأَشَدُّونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله نَوْطاً، فَإِنَّها كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ وَ الْحَكَمُ اللَّهُ؛ وَ الْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةُ.
وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَراتِهِ
وَلكِن حَديثاً مَا حَديثُ الرَّواحِلِ
وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ. وَ لَا غَرْوَ، وَ اللَّهِ، فَيَالَهُ خَطْباً يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ، وَ يُكْثِرُ الْأَوَدَ! حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ، وَ سَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَجَدَحُوا بَيْني وَ بَيْنَهُمْ شِرْباً وَ بِيئاً. فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَ عَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ، وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى، «فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ».
و من خطبة له (ع) (163)
الخالق جلّ و علا
الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ، وَ سَاطِحِ الْمِهَادِ، وَ مُسِيلِ الْوِهَادِ، وَ مُخْصِبِ النِّجَادِ. لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَ لَا لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ. هُوَ الْأَوَّلُ وَ لَمْ يَزَلْ؛ وَ الْبَاقِي بِلا أَجَلٍ. خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَ وَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ. حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا. لَا تُقَدِّرُهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدودِ وَ الْحَرَكَاتِ، وَ لَابِالْجَوَارِحِ وَ الْأَدَوَاتِ. لَا يُقَالُ لَهُ: «مَتَى؟» وَ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى». الظَّاهِرُ لا يُقَالُ «مِمَّ؟» وَ الْبَاطِنُ لَا يُقَالُ «فِيم؟» لَا شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى وَ لَا مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى. لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ، وَ لَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ، وَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ، وَ لَا كُرُورُ لَفْظَةٍ، وَ لَا ازْدِلافُ رَبْوَةٍ، وَ لَا انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ. فِي لَيْلٍ دَاجٍ، وَ لَا غَسَقٍ سَاجٍ، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، وَ تَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَ الْكُرُورِ، وَ تَقَلُّبِ الْأَزْمِنَةِ وَ الدُّهُورِ،