وَ أَمَدٍ مَعْلُومٍ؛ ثُمَّ نَفَخَ فِيها مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إنْساناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وَ فِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِها، وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُها وَ أَدَوَاتٍ يُقَلّبُها، وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقّ وَ الْبَاطِلِ وَ الْأَذْوَاقِ وَ الْمَشَامّ وَ الْأَلْوانِ وَ الْأَجْنَاسِ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الُمخْتَلِفَةِ وَ الْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ، وَ الْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَ الْأَخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ، مِنَ الْحَرّ وَ الْبَرْدِ، وَ الْبَلَّةِ وَ الْجُمُودِ، وَ اسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَ عَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِليهِمْ، في الْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لهُ، وَ الْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ، فَقَالَ سُبْحانَهُ: (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشّقْوَةُ وَ تَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ وَ اسْتَوهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ، فَأَعْطاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقاقاً لِلسُّخْطَةِ، وَ اسْتِتْماماً لِلْبَلِيَّةِ وَ إِنْجَازاً لِلْعِدَةِ، فَقَالَ (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
ثُمَّ أسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ، وَ آمَنَ فِيها مَحَلَّتَهُ، وَ حَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَ عَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقامِ وَ مُرَافَقَةِ الْأَبْرارِ فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكّهِ، وَ الْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ، وَ اسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلًا، وَ بِالْاغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ، وَ لقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَ وَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ، وَ أَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ وَ تَنَاسُلِ الذُّرّيَّةِ.
اختيار الأنبياء
وَ اصْطَفَى سُبْحانهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِياءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثاقَهُمْ، وَ عَلَى تَبْلِيغِ الرّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ