فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَقَدْ أُعْطِيتَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عِلْمَ الْغَيْبِ! فَضَحِكَ عليه السلام، وَ قَالَ لِلرَّجُلِ، وَ كَانَ كَلْبِيّاً:
يَا أَخَا كَلْبٍ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَ إِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْمٍ. وَ إِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَ مَا عَدَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِوَ يُنَزِّلُ الْغَيْبُ، وَ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، وَ مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً، وَ مَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ ...» الْآيَةَ، فَيَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَ قَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ، وَ سَخِيٍّ أَوْ بَخِيلٍ، وَ شَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، وَ مَنْ يَكُونُ فِي النَّارِ حَطَباً، أَوْ فِي الْجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً. فَهَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لَايَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، وَ مَا سِوَى ذلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ فَعَلَّمَنِيهِ، وَ دَعَا لِي بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي، وَ تَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي.
و من خطبة له (ع) (129)
في ذكر المكاييل و الموازين
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّكُمْ- وَ مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنيَا- أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ، وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ: أَجَلٌ مَنْقُوصٌ، وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ. فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ، وَ رُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ. وَ قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لَايَزْدَادُ الخَيْرُ فِيهِ إِلَّا إِدْبَاراً، وَ لَاالشَّرُّ فِيهِ إِلَّا إِقْبَالًا، وَ لَا الشَّيْطَانُ فِي هَلَاكِ النَّاسِ إِلَّا طَمَعاً. فَهذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَ عَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَ أَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ. اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً،