تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَ إِنْ ضَحِكُوا، وَ يَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَ إِنْ فَرِحُوا، وَ يَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَ إِنِ اغْتُبَطُوا بِمَا رُزِقُوا. قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآجَالِ، وَ حَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الآمَالِ، فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الآخِرَةِ، وَ العَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الآجِلَةِ، وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ، وَ سُوءُ الضَّمَائِرِ. فَلَا تَوَازَرُونَ وَ لَا تَنَاصَحُونَ، وَ لَا تَبَاذَلُونَ وَ لَا تَوَادُّونَ. مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ، وَ لَا يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الآخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ! وَ يُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَ قِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ! كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ. وَ كَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ. وَ مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ، إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ. قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الآجِلِ وَ حُبّالْعَاجِلِ، وَ صَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ. صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ رِضَا سَيّدِهِ.
و من خطبة له (ع) (114)
و فيها مواعظ للناس
الْحَمْدُ لِلَّهِ الوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنّعَمِ وَ النّعَمَ بِالشُّكْرِ. نَحْمَدُهُ عَلَى آلَائِهِ، كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلائِهِ. وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى هذِهِ النُّفوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ، السّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ. وَ نَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ، وَ أَحْصَاهُ كِتَابُهُ: عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرٍ، وَ كِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ، وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ وَ وَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ، إِيمَاناً نَفَى إِخْلاصُهُ الشّرْكَ، وَ يَقِينُهُ الشَّكَّ. وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،