وَ نَحَلُوكَ حِلْيَةَ الَمخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهِمْ، وَ جَزَّأُوكَ تَجْزِئَةَ الُمجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ، وَ قَدَّرُوكَ عَلَى الْخِلْقَةِ الُمخْتَلِفَةِ الْقُوَى، بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ، وَ الْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ، وَ نَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيّنَاتِكَ، وَ إِنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ، فَتَكُونَ فِي مَهَبّ فِكْرِهَا مُكَيَّفَاً، وَ لَا فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً.
و منها: قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ، وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ، وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، وَ لَمْ يَقْصُرْ دُونَ الانْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ، وَ لَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيّ عَلَى إِرَادَتِهِ، فَكَيْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ؟ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ بِلَا رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا، وَ لَا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا، وَلَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَ لَا شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، وَ أَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ، لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِىءِ، وَ لَا أَنَاةُ الْمُتَلَكّىءِ، فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا، وَ نَهَجَ حُدُودَهَا، وَ لَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادّهَا، وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا، وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْحُدُودِ وَ الْأَقْدَارِ، وَ الْغَرَائِزِ وَ الْهَيْئَاتِ، بَدَايَا خَلَائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا، وَ فَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا.
و منها في صفة السماء
وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا، وَلَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا، وَ وَشَّجَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ أَزْوَاجِهَا. وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهَ، وَ الصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ، حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا، وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ، فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا، وَ فَتَقَ بَعْدَ الْارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا،