قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ، وَ سَلَكَ سَبِيلَهُ، وَ عَرَفَ مَنَارَهُ، وَ قَطَعَ غِمَارَهُ، واسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، وَ مِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ- سُبْحَانَهُ- فِي أَرْفَعِ الْأُمُورِ؛ مِنْ إِصْدَارِ كُلّ وَارِدٍ عَلَيْهِ، وَ تَصْيِيرِ كُلّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ. مِصْباحُ ظُلُمَاتٍ، كَشَّافُ عَشَوَاتٍ، مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ، دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ، دَلِيلُ فَلَوَاتٍ، يَقُولُ فَيُفْهِمُ، وَ يَسْكُتُ فَيَسْلَمُ. قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ، وَ أَوْتَادِ أَرْضِهِ. قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ، فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْي الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ، يَصِفُ الْحَقَّ وَ يَعْمَلُ بِهِ، لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلَّا أَمَّهَا، وَ لَا مِظَنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا، قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ وَ إِمَامُهُ، يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ، وَ يَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ.
صفات الفسّاق
وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَيْسَ بِه، فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ، وَ أضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ، وَ نَصَبَ لِلنَّاسِ أشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ، وَ قَوْلِ زُورٍ؛ قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرائِهِ؛ وَ عَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ، يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ وَ يُهَوّنُ كَبِيرَ الْجَرائِمِ، يَقولُ: أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ، وَ فِيهَا وَقَعَ؛ وَ يَقْولُ: أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ، وَ بَيْنَهَا اضْطَجَعَ، فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ، وَ الْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ، لَا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ، وَ لَا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ. وَ ذلِكَ مَيّتُ الْأَحْيَاءِ.