عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهمْ لِرَبّهِ؛ وَ إِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبّهِ؛ وَ الْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، وَ الْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ، «وَ السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ»، وَ الشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَ غُرُورِهِ. وَاعْلَمُوا «أَنَّ يَسِيرَ الرّيَاءِ شِرْكٌ»، وَ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلْإِيمَانِ. و مَحْضَرَةٌ لِلشَّيطَان جَانبوا الكَذِب فانَّهُ مُجانِبٌ لِلإِيمانِ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وَ كَرَامَةٍ، وَ الْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ وَ مَهَانَةٍ. وَ لَا تَحَاسَدُوا؛ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْإِيْمَانَ «كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ»، «وَ لَا تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ»؛ وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ، وَ يُنْسِي الذّكْرَ. فَأَكْذِبُوا الْأَمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ، وَ صَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.
و من خطبة له (ع) (87)
و هي في بيان صفات المتقين و صفات الفسّاق و التنبيه
إلى مكان العترة الطيبة و الظنّ الخاطئ لبعض الناس
عِبَادَاللَّهِ، إِنَّ مِنْ أَحَبّ عِبَادِاللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وَ تَجَلْبَبَ الْخَوْفَ؛ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ، وَ أَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلَ بِه، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ، وَ هَوَّنَ الشَّدِيدَ. نَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَ ذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ، وَ ارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ، فَشَرِبَ نَهَلًا، وَ سَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً. قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ، وَ تَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ، إِلَّا هَمًّا وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ صَفَةِ الْعَمَى، وَ مُشَارِكَةِ أَهْلِ الْهَوَى، وَ صَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، وَ مَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى.