والكلام فيه هو الكلام في صيغة الأمر من جهة الظهور عند العقلاء وأهل العرف،
فلا إشكال هنا أيضاً في أصل الدلالة على الوجوب، كما أنّ منشأها أيضاً ما يرجع إلى
طبيعة الطلب وما تقتضيه ماهية البعث، وأنّ جواز الترك قيد زائد وهو يحتاج إلى
البيان ونصب القرينة.
ثمّ إنّه قد اشتهر أنّ دلالة الجمل الخبريّة على الوجوب آكد من دلالة صيغة
الأمر، ببيان أنّها في الحقيقة إخبار عن تحقّق الفعل بإدّعاء أنّ وقوع الإمتثال من
المكلّف، أمر مفروغ عنه [1].
لكن يمكن المناقشة فيه بأنّ الجملة الخبرية حيث إنّها في مقام الكناية عن
الطلب تكون أبلغ في الدلالة على الإنشاء كما في سائر الكنايات فإنّها أبلغ في بيان
المقصود والدلالة على المطلوب من غيرها، لا أنّها آكد وأنّ الطلب المنشأ بها يكون
أقوى وأشدّ، كما يشهد عليه الوجدان.
نعم لو كان المراد كونه أبلغ في الدلالة على الوجوب فإنّه لا بأس به.
الجهة الرابعة: حول سائر مداليل الأمر والطلب الإنشائى
قد تبيّن أنّ الأمر بمادّته وهيئته، ظاهر في الوجوب والطلب الإلزامي ما لم يقم
قرينة على الاستحباب وجواز الترك، ويلحق به في هذه الخصوصيّة بعض الكنايات كالجمل
الخبرية المستعملة لإنشاء الطلب، وقد فرغنا عن ذلك في الجهات السابقة وينبغي هنا
أن نبحث عن بعض ما له صلة بخصوصيّات الطلب الإنشائي:
1. الأمر بالأمر
هل الأمر المتعلّق بالأمر بفعل، أمر بذلك الفعل حتّى يجب على المكلّف إمتثاله
[1]. هداية المسترشدين، ج 1، ص 662؛
كفاية الاصول، ص 71؛ نهاية الأفكار، ج 1، ص 181