2. إنّ التعارض إنّما هو بين الدليلين وفي مقام الإثبات، أي مقام الدلالة
والكشف عن الواقع، وبتعبير آخر: التعارض إنّما هو بين محتواهما في مقام الإثبات،
فيكون أحدهما صادقاً في كشفه والآخر كاذباً.
وأمّا التزاحم فيقع بين الحكمين من ناحية الإمتثال بعد الفراغ عن تماميّة
دليلهما وصدق كليهما، ولذلك يكون المرجّحات في التعارض بما يرجع إلى الدلالة
والسند وشبههما، وفي التزاحم بأقوائيّة الملاك وأهمّية أحد الحكمين بالنسبة إلى
الحكم الآخر.
نعم، قد يكون التزاحم سبباً للتعارض، وهو فيما إذا كان كلّ واحد من المتزاحمين
ظاهراً في الفعليّة، فيقع التعارض حينئذٍ بين مدلوليهما للعلم بكذب أحدهما.
وقد ظهر بما ذكرنا، أنّ الترجيح أو التخيير في باب التزاحم عقلي، لأنّ العقل
يحكم بترجيح أقوى الملاكين على الآخر، ويحكم بالتخيير في المتساويين من ناحية
الملاك، بخلاف باب التعارض حيث إنّ العقل يقضي بالتساقط فيه، ويكون الحكم بالتخيير
أو بترجيح ما وافق كتاب اللَّه وطرح ما خالفه مثلًا، شرعياً وتعبّدياً على خلاف
الأصل والقاعدة الأوّليّة.
نعم لو صارت المرجّحات موجبة لتمييز الحجّة عن اللاحجّة، حكم العقل حينئذٍ
بترجيح الحجّة فيكون الترجيح عقلياً، ولكنّه خارج عن باب التعارض لأنّه عبارة عن
التنافي بين الحجّتين.
المقام الأوّل: في أنحاء التعارضات البدويّة
1. التخصيص والتخصّص والحكومة والورود
إعلم أنّ التخصّص عبارة عن خروج شيء عن موضوع حكم آخر تكويناً كخروج زيد الجاهل عن قولك:
«أكرم العلماء».