الأمر الخامس: قد عرفت استثناء إراقة الدماء ممّا يشرّعه الإكراه، فحتّى لو
هدّده بالقتل لو لم يقتل مؤمنا، فانّه لا يجوز ذلك، بلا خلاف فيه بينهم، بل ادّعى
في الجواهر الإجماع عليه بقسميه [1].
و قد دلّ عليه غير واحد من الأحاديث الواردة في الباب 31 من أبواب الأمر
بالمعروف و إليك بعضها:
1- ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إنّما جعلت التقيّة
ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة» [2].
2- ما رواه أبو حمزة الثمالي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «... إنّما
جعلت التقيّة ليحقن بها الدم فإذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة ...» [3].
و وصف الأوّل بالصحّة، و الثاني بالوثاقة.
و العمدة فيها الإجماع مع الروايتين.
هذا و قد حكي عن بعض الأكابر [4] أنّه منع دلالة الروايتين على المقصود، نظرا إلى أنّ
مفادها رفع التقيّة عن الإنسان إذا وقعت نفسه في الخطر و لم تنفع التقيّة في
نجاته، و حينئذ يجب عليها إظهار ما يجب إظهاره، لأنّ غايتها و هي حفظ الدم قد
انتفت، و هذا أمر وجداني عقلي.
و قد أقرّه على ذلك في الجملة بعض الأساتذة [5] بالنسبة إلى الرواية الاولى و أنكره بالنسبة
إلى الثانية.
و الإنصاف أنّه من عجيب الكلام، فانّ الفاعل في قوله «بلغ» في الرواية الاولى
أيضا العمل بالتقيّة كما في بلغت في الثانية (و لا يضرّه التذكير كما هو واضح) و
بلوغ التقيّة الدم إنّما هو بكونها سببا لذلك، لا بلوغ الإنسان دمه بسبب آخر.