لكن الظاهر أنّه لا إطلاق فيها من ناحية الوسائل و الأسباب التي يتوسّل بها
للإصلاح، كما هو الحال في سائر الواجبات و المندوبات، و ليس لها إطلاق حتّى يقع
التعارض بينها و بين أدلّة الكذب بالعموم من وجه، ثمّ يرجع فيه إلى الرواية أو
غيرها كما قيل [1].
بل العمدة في ذلك هي الروايات الواردة مع دليل العقل، فانّ حال الإجماع في هذه
المسائل أيضا معلوم، أمّا العقل فهو من باب دوران الأمر بين الأهمّ و المهمّ، فلا
ريب أنّ الإصلاح بين المؤمنين أهمّ، أمّا الروايات فهي على طوائف:
منها ما دلّ على جواز الكذب عند إرادة الإصلاح بين الناس، مثل:
1- ما رواه أنس بن محمّد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمّد عن آبائه في وصيّة النبي
صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام قال: «يا علي إنّ اللّه أحبّ الكذب
في الصلاح، و أبغض الصدق في الفساد «إلى أن قال» يا علي: ثلاث يحسن فيهنّ الكذب:
المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك، و الإصلاح بين الناس» [2].
2- ما رواه المحاربي عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن النبي صلّى اللّه عليه و
آله و سلم قال: «ثلاثة يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك، و
الإصلاح بين الناس ...» [3].
3- ما رواه عيسى بن حسّان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «كلّ
كذب مسئول عنه صاحبه يوما إلّا كذبا في ثلاثة ... أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا
بغير ما يلقي به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما ...» [4].
4- و ما رواه أبو يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام
قال: «الكلام ثلاثة: صدق و كذب و إصلاح بين الناس»، قال: قيل له: جعلت فداك ما
الإصلاح بين الناس؟ قال: «تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه، فتقول: سمعت من
فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعت منه» [5].