الإنسان من وراء الباب «انّ فلانا ليس هنا» و مراده خلف الباب، و لكن المخاطب
بسبب بعض ما في ذهنه من الاعتقادات أو التخيّلات ينتقل إلى فرد لا يريده المتكلّم،
أو بسبب كثرة استعماله في فرد خاص، و لكن لم يبلغ حدّ الوضع و شبهه.
و قد لا يحتمل الكلام ذلك المعنى إلّا مجازا أو ببعض القيود، و لكن يريد المتكلّم
منه ذلك، كما إذا قال المتكلّم: أنا ما أكلت اليوم شيئا، و أراد حالة النوم فانّ
الكلام بظاهره نفي مطلق لا يحتمل الفرد الخاص، و استعماله في خصوص حال النوم غير
جائز إلّا ببعض القيود.
أو قال: اليوم رأيت أسدا، و قصد بذلك رجلا شجاعا مع عدم إقامة قرينة حالية أو
مقالية عليه.
أو قال: فلان مجتهد جامع الشرائط، و أراد أنّه قريب الاجتهاد.
و الحقّ أنّ القسم الأوّل داخل في الصدق، و الثاني داخل في الكذب، يشهد له
مراجعة الوجدان و ملاحظة كلمات العرف.
فمن قال: هذا الدار ملك لي، و أراد به الإجارة، و ملك المنافع، كان كاذبا،
أمّا إذا قال: إنّ يدي خالية، ففهم المخاطب الكناية عن عدم مال له، و لكن أراد
المعنى الحقيقي، و هو خلو يده عن الأشياء الظاهرة كالكتاب و السبحة و غيرهما كان
صادقا.
فإذا، الحقّ ما ذكره المحقّق القمّي قدّس سرّه في هذا المقام، و السرّ في ذلك
أنّ الوضع يقتضي استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، أو المجازي مع القرينة، فمن فعل
غيره كان كاذبا، و العمدة هو فهم العرف، و تبادر ما ذكرنا من لفظ الكذب.
و الخلط بين هذين القسمين صار منشأ للخلاف في حكم التورية، بل و في تفسير
الصدق و الكذب في الأخبار، و لعلّ المشهور أيضا أرادوا ما ذكرنا، فتأمّل.
و الحاصل، أنّ التورية على قسمين: قسم منها جائز مطلقا، و قسم لا يجوز إلّا
عند الضرورة.
نعم يبقى هنا بعض ما ورد في روايات الباب، فما عدّ دليلا للقول الأوّل و هو
الجواز مطلقا هي الروايات التالية: