بقي هنا شيء، و هو إنّه قد يقال: إنّ الوعد على أقسام، تارة يخبر عن عزمه على
الوفاء بشيء، كأن يقول انّي عازم على أن اعطيك كذا و كذا.
و اخرى أن ينشئ ما التزمه، بأن يقول: لك عليّ كذا.
و ثالثة أن يخبر عن الوفاء بأمر مستقبل، كقوله: أجيئك غدا [1].
هذا و لكن الوعد ليس شيئا منها، بل هو إنشاء و التزام فعل لغيره على نفسه في
المستقبل، بأن يقول: أجيئك غدا لا بقصد الإخبار، بل بقصد الإنشاء و الالتزام، و من
هنا يعلم أنّ أدلّة حرمة الكذب لا تشمله (فتأمّل فانّه حقيق به).
نعم، هنا إطلاق آخر من هذا العنوان، فيقال: وعد صادق أو كاذب، إذا وفي بعهده
أو لم يف به، و هذا صدق و كذب في العمل لا دخل له بالقول الذي هو محلّ الكلام،
فتدبّر.
المقام الخامس: الكلام في التورية
«التورية» في اللغة بمعنى الستر و
الإخفاء، يقال: ورى الشيء، أي أخفاه عن غيره، و لكن في مصطلح الفقهاء هو: ذكر لفظ
و إرادة معناه الواقعي مع قصد القاء المخاطب في غيره (و هو على قسمين: ما يكون في
مقام الضرورة، و اخرى في غيرها).
و قد يعبّر عنه في كلمات فقهاء العامّة و الخاصّة بالمعاريض، جمع «المعراض»
بمعنى ستر شيء عن شيء آخر، و أمثلته كثيرة، و لكن من ألطفها ما حكى عن بعض علماء
الشيعة أنّه سئل عن الخليفة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فأراد بيان
الحقّ مع إخفاء ظاهره لبعض المسائل قال:
«من بنته في بيته».
و قال الشاعر:
خير الورى بعد النبي
من بنته في بيته
من في دجى ليل العمى
نور الهدى في زيته
و مثله ما هو المعروف من كلام عقيل: «أمرني معاوية بلعن علي عليه السّلام ألا
فالعنوه!».