لا يتجرأون على المكث طويلًا في الحمامخوفاً من إصابة المكان بصاروخ أو قذيفة
ويقتلون في الحمام في حالة العري الكامل. ومن هنا يجب على الإنسان أن يعرف قدر هذه
النعم والمواهب الإلهيّة العظيمة، لأنّه لا يعلم متى سيفقدها وإلى متى تبقى عنده،
فالمتغيرات التي يفرضها الواقع لا تجعل الإنسان يطمئن إلى ما عنده.
مرآة العبرة!
جاء عبدالملك بن مروان إلى الكوفة ودعا الناس إلى بيعته، فبايعوه، وجاء إلى
دار الإمارة وجلس على سرير السلطنة ووضع رأس مصعب بن الزبير [1] عنده وكان مرحاً فرحاً، وكان في المجلس
عبدالملك بن عمير، فأخذته الرعدة، فقال: ذكرت قضية عجيبة وكنت في هذا القصر حين
جاؤوا برأس الحسين (صلوات اللَّه عليه) إلى زياد بن عبيدللَّه فوضع بين يديه، ثم
مضى زمان فجيء برأس ابن زياد فوضع بين يدي المختار، ثم مضى زمان فجيء برأس
المختار فوضع بين يدي مصعب، ثم جيء برأس مصعب عندك، فلما سمع عبدالملك أخذته
الرعدة وأمر بتخريب دار الإمارة [2].
ولما سمع عبدالملك بن مروان هذه الحكاية شعر بالرعب وبالخوف يدب في قلبه،
ولكنّه بدلًا من الاعتبار من ذلك والتحرك على مستوى جبران ما فاته من أعماله
السيئة، قال: إنّ هذا القصر ينذر بالشؤم وأمر بهدمه، فهدموه وبنوا له قصراً آخر في
الكوفة في مكان آخر!
إنّ التاريخ يختزن دروساً كثيرة بشرط أن نستوحي العبرة منها ولا يملكنا الغرور
[1]. كان مصعب بن الزبير مع بني
أميّه، ولكنه خرج في سنة 72 للهجرة على عبدالملك بن مروان ودارت بينهماحرب ضارية
انتهت بقتله.