ينصح أبا جعفر في وقت اتهامه: عليك بالحلم فإنه ركن العلم، و املك نفسك عند أسباب القدرة ... فإنك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن يحب أن يذكر بالصولة، و اعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا العدل، و الحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر.
و يروى أن بعض الولاة نال من علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه في خطبته، فوقف جعفر الصادق، و رد قوله و ختم كلامه بهذه الجملة: ألا أنبئكم بأخلى الناس ميزانا يوم القيامة، و أبينهم خسرانا؟! من باع آخرته بدنيا غيره، و هو هذا الفاسق.
و إن امتناعه عن الدعوة لنفسه لا يتنافى مع الشجاعة، لأن الشجاع ليس هو المندفع الذي لا يعرف العواقب و نتائج الأعمال، إنما الشجاع الذي يقدّر الأمور، و يتعرف نتائجها و غاياتها، فإذا تبين له أن الإقدام هو المجدي، أقدم لا يهمه ما يعتوره من السيوف، و ما يحيط به من أسباب الموت.
و قال أيضا في فراسته عليه السلام:
كان الصادق ذا فراسة قوية ... و لعل فراسته النافذة هي التي منعته من أن يقتحم الأمور و يتقدم بدعوات سياسية، و هو يرى حال شيعته بالعراق من أنهم يكثرون القول، و يقلون العمل، و قد اعتبر بما كان منهم للحسين، ثم لزيد و أولاده، ثم لأولاد عبد اللّه بن الحسن، و لذا لم يطعهم في إجابة رغباتهم في الخروج، و كان ينهى كل من خرجوا في عهده عن الخروج ... فنهى عمه زيدا، و نهى ولدي عمومته محمدا النفس الزكية و إبراهيم.