قال: فطالت ليلتي حتى برق الفجر، فجئت بيت ابن الصيفي فطرقت بابه سحرا، فخرج الي حاسرا حافي القدمين و قال: ما الذي جاء بك هذه الساعة؟ فقصصت عليه قصتي، فأجهش بالبكاء و قال: و اللّه ما قلتها الّا ليلتي هذه و لم يسمعها بشر:
ملكنا و كان العفو منا سجيّة فلما ملكتم سال بالدم أبطح و حللتم قتل الأسارى و طالما غدونا عن الأسرى نعف و نصفح و حسبكم هذا التفاوت بيننا و كل إناء بالذي فيه ينضح
و قد أكثر الناس من الرثاء و البكاء على ما أصاب أهل البيت، و قالوا ما لا يحصى من المقالات نظما و نثرا، و ذكروا في قتل الحسين عليه السلام و ما كان من أمره ما أضربت عن ذكره صفحا و لم اروّ له سفحا، و لا يحتمل هذا المختصر أكثر من ذلك، و فيه كفاية.
و بالجملة و التفصيل فما وقع في الإسلام قضية أفضع منها، و هي مما تنبو الأسماع عنها و تتفطر القلوب عند ذكرها حزنا و أسى و تأسفا و تنهل لها المدامع كالسحب الهوامع. هذا و العهد بالنبي قريب، و روض الايمان خصيب، و غصن دوحه غض جديد، و ظله وافر مديد، و لكن اللّه يفعل ما يريد. و ما أظن أن من استحل ذلك و سلك مع أهل النبيّ هذه المسالك شم ريحة الإسلام و لا آمن بمحمد عليه الصلاة و السلام و لا خالط الايمان مشاشة قلبه و لا آمن طرفه بربه، و القيامة تجمعهم و الى ربهم مرجعهم.
و لقد قرأ قارئ بين يدي الشيخ العالم العلامة أبي الوفاء ابن عقيل رحمه اللّه:
وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فبكى و قال: يا سبحان اللّه غاية ما كان طمعه فيما قالفَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ جاوزوا و اللّه الحد الذي طمع فيه، ضحوا بأشمط عنوان السجود به قطع الليل تسبيحا و قرآنا، أي و اللّه عمدوا الى علي بن أبي طالب بين ضفتيه فقتلوه، ثم قتلوا ابنه الحسين بن فاطمة الزهراء