المطلب الخامس عشر في الإرادة ذهبت الاماميّة و جميع المعتزلة إلى أنّ الإنسان مريد لأفعاله، بل كلّ قادر فانّه مريد لأنّ الإرادة صفة تقتضي التّخصيص و أنّها نفس الدّاعي، و خالفت الأشاعرة في ذلك فأثبتوا صفة زائدة عليه و هذا من أغرب الأشياء و أعجبها، لأنّ الفعل إذا كان صادرا عن اللّه و مستندا إليه و أنّه لا مؤثّر إلّا اللّه فأىّ دليل يدلّ حينئذ على ثبوت الإرادة و كيف يمكنهم ثبوتها لنا؟ لأنّ طريق الإثبات هو أنّ القادر كما يقدر على الفعل كذلك يقدر على التّرك، فالقدرة صالحة للإيجاد و التّرك، و إنّما يتخصّص أحد المقدورين بالوقوع دون الآخر بأمر غير القدرة الموجودة و غير العلم التّابع، فالمذهب الذي اختاروه لأنفسهم سدّ عليهم ما علم وجوده بالضرورة، و هو القدرة و الإرادة فلينظر العاقل المنصف من نفسه هل يجوز له اتباع من ينكر الضّروريات و يجحد الوجدانيات و هل يشكّ عاقل في أنه قادر مريد؟ و أنه فرق بين حركاته الاختيارية (الارادية خ ل) و حركته الجمادية؟ و هل يسوغ لعاقل أن يجعل مثل هؤلاء وسائط بينه و بين ربه و هل تتمّ له المحاجة عند اللّه تعالى بأني اتبعت هؤلاء و لا يسئل يومئذ كيف قلّدت من تعلم بالضرورة بطلان قوله؟ و هل سمعت تحريم التقليد في الكتاب العزيز [1] مطلقا فكيف لأمثال هؤلاء؟ فما يكون جوابه غدا لربّه؟وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ[2]، و قد طوّلنا في هذا الكتاب ليرجع الضّال عن زلله، و يستمر المستقيم على معتقده.
[1] و الآيات الدالة على ذم التقليد في الاعتقاديات كثيرة، منها قوله تعالى في سورة الزخرف. الآية 23:إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ.