ثلاث جهات جديرة بالدراسة والبحث تتجلّى في آفاق الثقافة الفقهية وهي : المضمون ـ البيان ـ الوسيلة .. وكنّا قد تعرّضنا للجهتين الاُولى والثانية في أعداد سبقت .. وسنقصر الحديث هذه المرّة على الجهة الثالثة : والتي تدور حول البحث عن ماهيّة الوسائل الممكنة في عصرنا الراهن لبثّ مادة ومضامين الثقافة الفقهية .. سواء كان المقصود منها المعنى الأخصّ : أي ترويج أحكام الشريعة وجعلها في متناول يد المكلّف .. أو كان المقصود منها المعنى الأعمّ : أي بحوث ما وراء الفقه .. ولا ندّعي أنّ كلّ ما سنذكره من اقتراحات جديد ومبتكر .. بل ثمّت محاولات قائمة وخطوات ملحوظة على هذا الصعيد..
وكيف كان فإنّ الوسيلة الكلاسيكية التي ألِفناها في البعد الأوّل ـ والذي هو المهمّ ـ هي الرسالة العملية .. فهي همزة الوصل بين المجتهد ومقلِّديه .. ورغم الجذور التاريخية للرسالة الفقهية العملية ـ ممّا ينبئ عن مدى أصالتها ـ إلاّ أنّ هذا لا يعني بالضرورة كون الرسالة العملية هي الخيار الوحيد الذي يتعيّن أمام الفقه في خطاباته .. بل هو في فسحة وعليه أن يتحرّى طرائق إضافية ويسعى لاكتشاف وسائل جديدة وارتقاء منابر مستحدثة .. وينبغي للمؤسّسة الفقهية بأجهزتها كافّة أن تستفرغ أقصى الوسع في تنويع أساليب نشر الأحكام والتفنّن في تكثير المجالات الإعلامية والتبليغية كما تستفرغ غاية الوسع في عملية استنباط الأحكام الشرعية ..