رُكْبَةُ عَنْزٍ[1]، فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَإِذَا بَلَغَ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ تَنَحَّى النَّاسُ عَنْهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ هَيْبَةً لَهُ وَ إِجْلَالًا، فَغَاظَ ذَلِكَ هِشَاماً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَا هِشَامُ مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ هَابَهُ النَّاسُ[2] هَذِهِ الْهَيْبَةَ وَ أَفْرَجُوا لَهُ عَنِ الْحَجَرِ فَقَالَ هِشَامٌ لَا أَعْرِفُهُ، لِئَلَّا يَرْغَبَ فِيهِ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ وَ كَانَ حَاضِراً لَكِنِّي أَعْرِفُهُ، فَقَالَ الشَّامِيُّ مَنْ هَذَا يَا أَبَا فِرَاسٍ فَقَالَ:
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ
وَ الْبَيْتُ تَعْرِفُهُ وَ الْحِلُّ وَ الْحَرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمْ
هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ الْعَلَمُ
هَذَا عَلِيٌّ رَسُولُ اللَّهِ وَالِدُهُ
أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِيَ الظُّلَمُ
إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا
إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِى الْكَرَمُ
يُنْمِي إِلَى ذِرْوَةِ الْعِزِّ الَّذِي قَصُرَتْ
عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الْإِسْلَامِ وَ الْعَجَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهِ
رُكْنُ الْحَطِيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ
يُغْضِي حَيَاءً وَ يُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ
فَمَا يُكَلِّمُ إِلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ
يَنْشَقُ[3] نُورُ الْهُدَى عَنْ نُورِ غُرَّتِهِ
كَالشَّمْسِ تَنْجَابُ[4] عَنْ إِشْرَاقِهَا الظُّلَمُ
بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهَا عَبِقٌ[5]
مِنْ كَفٍّ أَرْوَعَ فِي عِرْنِينِهِ شَمَمٌ
[1]- الركبة بالضم: الموصل ما بين الفخذ و الساق و العنز بالفتح: انثى المعز. عقر- خ.
[2]- هابه الرجل: و قره و عظمه. هابته الناس- خ.
[3]- ينجاب- خ.
[4]- انجاب: انكشف.
[5]- بالفتح فالكسر: الذي تفوح منه رائحة الطيب. و الأروع: من يعجبك بسنه. و العرنين بالكسر: الأنف.