كانت هذه أهم المعاني التي ذكرها اللغويون للإسراف، والذي يهمنا منها في بحثنا هذا هي المعاني الستة الأول، ومرجعها إلى المعنى الأول [1]، وهو: مجاوزة القصد، أي الحد الوسط، وحد الاعتدال، كما سنشير إليه. والمستفاد من مجموع المعاني اللغوية: أن الإسراف يتصور في كل شئ وإن كان في الإنفاق أشهر، كما قال الراغب الإصفهاني: " السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر " [2]. وهناك عناوين أخرى لا بد من بيان معانيها، لما لها من الصلة بعنوان " الإسراف "، وهي: 1 - التبذير: قال الراغب: " التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكل مضيع لماله " [3]. وقال الفيومي: " بذرت الحب إذا ألقيته للزراعة... وبذرت الكلام [1]: فرقته، وبذرته - بالتثقيل - مبالغة... ومنه اشتق التبذير في المال، لأنه تفريق في غير القصد " [2]. وقال الخليل: " التبذير: إفساد المال وانفاقه في السرف... وقيل: التبذير إنفاق المال في المعاصي، وقيل: هو أن يبسط يده في إنفاقه حتى لا يبقي منه ما يقتاته " [3]. وعلى هذه التعاريف يكون التبذير والإسراف متقاربين تقريبا، إلا أنه قد فرق بينهما بفارق أساسي، فقيل: " إن التبذير: الإنفاق فيما لا ينبغي، والإسراف: الصرف زيادة على ما ينبغي " [4]، أو " إن الإسراف: صرف أكثر مما ينبغي، والتبذير: الصرف الذي لا ينبغي " [5]، أو " إن السرف: هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير:
[1] ولعل مرجع جميعها إليه أو إلى الثاني، قال الشيخ الطوسي في التبيان: " وأصل الإسراف مجاوزة الحد، يقال: سرفت القوم، إذا جاوزتهم وأنت لا تعرف مكانهم، وسرفت الشئ إذا نسيته، لأنك جاوزته إلى غيره بالسهو عنه... ". التبيان 3: 12. [2] معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني): " سرف ". [3] معجم مفردات ألفاظ القرآن (للراغب الإصفهاني): " بذر ". [1] قال ابن الأثير - بعد أن ذكر قول فاطمة الزهراء (عليها السلام) لعائشة: " إني إذن لبذرة " -: " البذر الذي يفشي السر ويظهر ما يسمعه "، ثم نقل عن الإمام علي (عليه السلام) قوله في صفة الأولياء: " ليسوا بالمذاييع البذر "، ثم قال: " جمع بذور، يقال: بذرت الكلام بين الناس كما تبذر الحبوب، أي أفشيته وفرقته ". النهاية (لابن الأثير): " بذر ". [2] المصباح المنير: " بذر ". [3] ترتيب كتاب العين: " بذر ". [4] مجمع البحرين: " بذر ". [5] ذكره السيد الحكيم، أنظر المستمسك 7: هامش الصفحة 339.