فإن بعثة
الأنبياء ممكنة ، لكونها مقدورة وحسنة ، لاستنادها إلى حكيم منزه عن كل قبيح ، لأنه
لما بعثهم وصدقهم بإظهار المعجزات مع استحالة تصديقه الكذابين ، وإظهاره المعجزات
لغير التصديق ، ثبت القطع على حسنها ، وربما كانت واجبة من حيث وجب الإعلام
بالمصالح والمفاسد التي لا يمكن العلم بها والاطلاع على ما وجب منها فعلا وتركا
إلا ببعثتهم ، فيكون الوجه فيها ظاهرا ، وهو إرشاد المكلفين إلى ما لا سبيل لهم
إلى الاسترشاد إليه إلا بهم.
واللطف في
الواجب واجب ، كما أنه في الندب ندب ، وعصمة الأنبياء مطلقة بالنسبة إلى جميع
الأوقات ، وجميع ما منه العصمة واجبة ، لأنه لو جاز عليهم شيء من القبائح قدح في
أدائهم وتبليغهم المقطوع على صدقهم فيه بظهور المعجز عليهم ، فكان لا يبقى لأحد طريق
إلى العلم بصدقهم الذي لولا القطع عليه تعذر الوثوق بهم ، والقبول منهم ، وذلك
مناف للغرض في بعثتهم الذي منافاته تنافي الحكمة ، وتناقضها ، فكما وجب تنزيههم عن
الكذب في الأداء والتبليغ ليصح الرجوع إليهم والاقتداء بهم ، فكذلك وجب تنزيههم عن
كل قبيح لا تسكن مع تجويزه النفوس إليهم ، لنفورها عنهم.
ولا يثبت ذلك
التنزيه التام الذي لا يبقى للتنفر معه [١] وجه إلا بعصمتهم على الإطلاق ، وهو ما أردناه.
وبالعلم المعجز
الظاهر على يديهم أو نص صادق يثبت القطع على