responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : منتهى المطلب - ط الجديدة نویسنده : العلامة الحلي    جلد : 3  صفحه : 0
الكتاب: منتهى المطلب (ط.ج) المؤلف: العلامة الحلي الجزء: 3 الوفاة: 726 المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1414 المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة الناشر: مجمع البحوث الإسلامية - إيران - مشهد ردمك: ملاحظات:
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 1
منتهى المطلب في تحقيق المذهب للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر 648 - 726 ه‌ الجزء الثالث تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية
تعريف الكتاب 3
كلمة المجمع لقد خاض علماؤنا العظام، وسلفنا الصالح في مختلف مجالات العلوم والمعارف، فلم يدعوا علما " من العلوم، ولا فنا " من الفنون دون أن يسبروا غوره، ويغوصوا في أعماق لججه، ويشبعوه بحثا " وتنقيبا "، وشرحا " وتحقيقا "،.. فقدموا لبني الإنسان زادا " نافعا "، وعطاءا " زاخرا " من المعرفة والخدمة العلمية التي بها يكتسب الإنسان سعادته، ويتسنم العلياء. فكان أن كتبوا في كل حقل من العلوم والمعارف، وشتى موضوعات الثقافة والفكر، طارقين كل باب يمكن من خلاله أن ينفذ إليه الفكر البشري، فخلفوا لنا ثروة علمية وحضارية ضخمة، من جواهر الأفكار، تركوها في كتبهم ومصنفاتهم المخطوطة..
من هنا كان الاهتمام بالتراث العلمي منذ القدم، حتى أصبح اليوم شيئا " مفهوما " لدى العلماء والمحققين،.. فبدأوا يبحثون وينقبون في زوايا المكتبات والخزانات الخطية القديمة - التي كادت الحوادث التاريخية تأتي عليها، كما أتت على كثير منها - ليحصلوا على بضع وريقات من كتاب مخطوط قديم، مكتوب بخط يكاد لا يقرأ لقدمه ورداءته، فيأخذوه بعناية، ويبذلوا في سبيل إحيائه جهودا مضنية، ثم يقدموه - بعد كل ما يقاسونه من أجل ذلك - إلى عالم النور، بغية الاستفادة منه، وخدمة لأبناء مجتمعهم، وطلبا لرضوان الله تعالى..
وكتاب " منتهى المطلب في تحقيق المذهب " للعلامة الحلي، الحسن بن
كلمة المجمع 5
يوسف بن المطهر، هو من أجمع الكتب الفقهية المقارنة، وأضخمها في بابها، وأغزرها علما "، وأحسنها تفصيلا وتفريعا "، وأجودها تقسيما " وتنويعا ".. قد حوى جل المسائل الخلافية بين المسلمين في الفقه، وهو غني بغزارة مادته الفقهية، لما فيه من متانة في المقارنة العلمية، وروعة في الاستدلال الفقهي..
وقد كان أملنا وطيدا بالتوفيق والنجاح فيما أقدم عليه إخوتنا المحققون في قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية من مشروع في سبيل إحياء هذا التراث، والآن وقد حقق الله سبحانه هذا الأمل بإخراج الجزءين الأول والثاني من هذا السفر القيم إلى عالم النشر، فها نحن نتبعهما بالجزء الثالث، معتمدين عليه جل وعلا، وملتمسينه وحده العون والسداد في إنجاز بقية أجزائه، في القريب العاجل، إن شاء الله تعالى، في ظل رعاية سيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليه.
كما لا يفوتنا هنا أن نتقدم بفائق الامتنان والتقدير إلى الأخ الفاضل صفاء الدين البصري، الذي تفضل بكتابة دراسة موجزة عن العلامة الحلي وحياته، أوردناها مقدمة لهذا الجزء من الكتاب، تعميما للفائدة مجمع البحوث الإسلامية
كلمة المجمع 6
قبسات من حياة العلامة
ترجمة المؤلف 7
تقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، ومن تابعهم إلى قيام يوم الدين، وبعد: إذا كانت الحضارات والأمم الحية تعنى بحياة عظمائها، ومفكريها، وتخليدا لذكراهم، تقيم لهم التماثيل، وتشيد لهم النصب التذكارية، وتقدم حياتهم لأبنائها كمنهج دراسي يستلهمون منه الدروس والعبر، لا لشئ إلا لأنها ترى في ذلك دعما " لحضارتها، وإحياءا لتراثها، وتشييدا لنهضتها.. فحري بنا نحن المسلمين أن ندرس حياة أئمتنا وعظمائنا ومفكرينا وعلمائنا، وأن نبحث عن آثارهم، وننقب عن أخبارهم، ونتخذ من حياتهم وسيرهم مصدر إشعاع للفكر، ومنهلا عذبا للخير، وينبوعا فياضا بالحكمة والعطاء، ورصيدا ضخما في الكمالات والمعرفة.. فهي مصدر علمي أخلاقي ثري، ومدرسة كبرى للإنسانية، ومعالم وضاءة لتحقيق الحق والعدالة ولو أننا معاشر المسلمين عموما، والشيعة خصوصا، أخذنا بسير هؤلاء العظام من أسلافنا الصالحين وترجمناها إلى واقعنا السلوكي والتطبيق العملي، لكنا قد حصلنا على أعظم مكسب في مجال التوجيه والأخلاق، ولقدر لنا أن نرتقي أعلى درجات الارتقاء، إذ لم تعهد البشرية جمعاء - بقادتها وعلمائها ومفكريها وذوي
ترجمة المؤلف 9
الكفاءات فيها - على مر العصور والأجيال بمثل هذا العطاء الزاخر، وهذه القمم الأخلاقية السامقة، ولقدر لنا أن نسود العالم والأمم، وأن نتصدرهم من خلال امتداد رسالة السماء إلى كافة أرجاء المعمورة، تلك الرسالة التي أعطتنا عندما تمسكنا بها: هوية، وعزة، وعظمة، وارتقت بنا إلى سلالم المجد والخلود، وتلك التي عندما تركنا العمل بتعاليمها ومبادئها: هوينا إلى أحط درجات الانحطاط، وأدنى مستويات التسيب والإسفاف، وصرنا بعد أن كنا أمة حية، مهابة الجانب، يفتخر الغير بالاقتداء والاهتداء بها، صرنا أمة يطمع بها لضعفها، ويرثى لحالها من فقرها وجدبها، وليس هذا، الذي توخاه لنا الدين، ولا هو، الذي أراده لنا النبي - صلى الله عليه وآله -، ولنعم ما قال أحد الشعراء العرب، معللا سبب انهيارنا بعد ذاك العز التليد: محمد هل لهذا جئت تسعى * وهل لك ينتمي همل مشاع أإسلام وتغلبهم يهود * وآساد وتغلبهم ضباع شرعت لهم طريق الحق لكن * أضاعوا شرعك السامي فضاعوا فما أحرانا سيما ونحن في مثل هذا الدهر الذي ضاعت فيه كل القيم الإنسانية، والمبادئ الأخلاقية، وعاد فيه الدين غريبا كما بدأ غريبا، وما أحوجنا إلى أن نخلد ذكرى أئمتنا وعلمائنا، وذلك من خلال إلزام أنفسنا باتباعهم، والانتهاج بمنهجهم، والاحتذاء بحذوهم، والأخذ من عظاتهم وسلوكهم بلسما لأمراضنا الاجتماعية التي جرتنا إلى هذه الهوة السحيقة، والأخذ بمثل هذه السير العطرة لهؤلاء العظماء، كي نخرج من هذا الواقع المعاب، إلى واقع مشرف، طافح بالعزة والكرامة، وأن نستعيد مجدنا الإسلامي التليد، بعد هذا الإعراض الطويل العتيد، ليعود لواء الإسلام المحمدي الأصيل عاليا " خفاقا " على العالم من جديد..
ومن أبرز هؤلاء العظام، الشخصية العلمية الفذة، صاحب المكانة المرموقة في أفق العلم والعلماء، العلامة الحلي الشيخ الحسن بن يوسف بن علي بن
ترجمة المؤلف 10
المطهر " قدس سره " ولادته ونشأته ذكر العلامة في الرياض أنه قال في أجوبة مسائل مهنأ بن سنان المدني الموسومة بالمسائل المهنائية: وأما مولد العبد، فالذي وجدته بخط والدي، ما صورته: ولد ولدي المبارك أبو منصور الحسن بن يوسف بن مطهر: ليلة الجمعة في الثلث الأخير من الليل 27 رمضان من سنة 648 ق. واشتباه سبع بتسع قريب فكانت ولادته في مدينة الحلة بجنوب العراق، البلدة المعروفة بطيب المناخ، ونقاء الجو، وجمال الطبيعة، وفي بيئة صالحة كريمة، عرفت بالنبوغ الذهني، والذكاء الفطري، وبعلو الرتبة، وسمو القدر، من أبوين كريمين: الشيخ الجليل والعالم النحرير سديد الدين، وعقيلته كريمة الشيخ أبي يحيى الحسن بن يحيى الحلي - صاحب كتاب " الجامع " وأخت المحقق الحلي صاحب كتاب " الشرائع ".
في مثل هذا البيت الشريف الممتلئ بالسؤدد والفضل، نشأ وترعرع تحت رعاية والده الشيخ، وخاله المحقق الذي كان له - هو الآخر - بمنزلة الأب الشفيق والوالد الرحيم، ونال العلامة من تربيته القسط الأوفر، وتلمذ عليه أكثر من غيره، ونهل من معينه الصافي الرقراق ما كان له زادا " نافعا " طيلة مدة حياة، سيما في الفقه والأصول، اللذين اشتهر فيهما أكثر من غيرهما، فنشأ التلميذ كما توخاه خاله الأستاذ، وتغلب على أقرانه المتتلمذين، وعرف بالنبوغ الفكري والاستعداد الذهني، والمستوى العلمي الرفيع وهو بعد لم يبلغ سن المراهقة، وانتقلت إليه الرئاسة الدينية، والريادة في التدريس والفتيا بعد وفاة أستاذه وخاله المحقق، فكان له النصيب الأوفر بعد ذلك في تطوير المناهج العلمية في الفقه والأصول،
ترجمة المؤلف 11
وفي إلباس الفقه الإمامي أقشب الحلل وأنيقها.
لقد تألق ذكر العلامة في الآفاق، وسطع نجمه، وتصدرت مكانته، وليس أدل على ذلك من الوقوف على سر تسميته وتلقيبه ب‌ " العلامة " واختصاصه به على الإطلاق، حتى عاد هذا اللقب المستعار اسما " له، يشخصه ويميزه من بقية الفطاحل من العلماء والفقهاء الذين تقدموا عليه وعاصروه فما يكاد يذكر هذا اللقب وهذا الاسم، إلا ويتبادر إلى الذهن شخصية عيلمنا المترجم له، والذي يبدو لنا في سر هذه التسمية واختصاصها به، أنه: حصل عليها عقب مناظرته المشهورة في مجلس السلطان الجايتو محمد خدابنده الذي تشيع بعدها على يديه [1]، حيث كشفت عن سعة فهمه، ووفور علمه، ودقة نظره، وحدة ذهنه، والتي منحت له في بداية الأمر على سبيل الارتجال، ثم لازمته بدافع الشهرة في نهاية المطاف [2].
ففي عصره استبصر هذا السلطان، وتشيع، وضرب النقود باسم الأئمة في عام 708 ق فتخلصت الأمة الإسلامية من بدعة الخلافة التي قامت بموت النبي - صلى الله عليه وآله -، فانفصلت السلطة السياسية عن الإمامة الروحية، وأعطيت بعض الحريات الدينية التي كان العباسيون يضنون بها فلو كان العباسيون قبل ذلك مقتنعين بالسلطة السياسية، وتاركين الإمامة الروحية لأهلها، فلعله لم يحصل ما حصل من الدمار..
وفي عصره أرجعت إلى الحلة - وهي مدينة بابل - مكانتها العلمية القديمة، فصارت مركزا فلسفيا للشيعة، وازدهرت فيها مدارسهم بعد ما عانت من الاضطهاد


[1] قال في الرياض: رأيت في بعض تواريخ العامة ذكر هذه القصة - تشيع السلطان خدابنده - بهذه
الصورة، قال: ومن سوانح سنة 707 ق إظهار خدابنده شعار التشيع بإضلال ابن المطهر
[2] مقدمة مبادئ الوصول، للأستاذ البقال، بتصرف.
ترجمة المؤلف 12

مددا " طويلة، ومنها كانت تستقي مدرسته السيارة (1)، التي أسست في معسكر
السلطان لتجوب البلاد الإسلامية لنشر العلم والفلسفة (2).
وقد كان من تظلع العلامة في الميادين العلمية وتبحره بها أن برع في
المعقول والمنقول منها، وحاز على قصب السبق وهو في ريعان شبابه ومقتبل
عمره، على زملائه من العلماء والفحول، إذ قيل: إنه كان في عصره في الحلة:
أربعمائة مجتهد (3).
وقد ذكر العلامة نفسه في مقدمة كتابه " منتهى المطلب " أنه فرغ من
تصنيفاته الحكمية والكلامية، وأخذ في تحرير الفقه قبل أن يكمل له 26 سنة.
كما تقدم في فقه الشريعة وصنف فيه - كما سيمر عليك - المؤلفات المتنوعة
والمختلفة من موسوعات ومطولات وشروح وإيضاحات ومختصرات ورسائل، كانت
من الرفعة في المقام لدرجة أنها لا زالت تحتل الصدارة في مختلف المدارس
العلمية، وشتى الميادين الثقافية، ولا زالت محط أنظار العارفين والعلماء، من
عصره إلى اليوم، بحثا وتدريسا، وشرحا وتعليقا.. فهي تمثل عصارة النتاج
الفكري المنبثق من ذلك العقل المبدع والفكر الوقاد، فكان - رحمه الله - حسنة من
حسنات الدهر، وفلتة من فلتات الزمان، علما، وعملا، وزهدا، وخلقا، إذ جمع
الله فيه ضروب الفضائل، فجدير بنا معاشر الشيعة الإمامية أن نثمن هذه الشخصية
كل الثمن، وأن نستلهم منها الدروس والعبر، ونأخذ منها ما يكون لنا زادا نافعا في حياتنا وفي مسيرنا إلى الله تعالى



[1] سيأتي ذكرها فيما بعد، وسبب تسميتها.
[2] طبقات أعلام الشيعة، ق 8 ص 53
[3] طبقات أعلام الشيعة، ق 8 ص 53.
ترجمة المؤلف 13

نبذة تأريخية عن مدرسة الحلة
برزت مدرسة الحلة الفقهية بعد احتلال بغداد على يد هولاكو التتار، فقد
كانت مدرسة بغداد قبل الاحتلال، حافلة بالفقهاء والباحثين وحلقات الدراسة
الواسعة، وكان النشاط الفكري فيما قبل الاحتلال على قدم وساق.
وحينما احتلت بغداد من قبل المغول، أوفد أهل الحلة وفدا " إلى قيادة الجيش
المغولي، يلتمسون الأمان لبلدهم، فاستجاب لهم هولاكو وآمنهم على بلدهم بعد
أن اختبرهم على صدقهم (1).
وبذلك ظلت الحلة مأمونة من النكبة، التي حلت بسائر البلاد في محنة
الاحتلال المغولي، وأخذت - الحلة - تستقطب الشاردين من بغداد من الطلاب
والأساتذة والفقهاء
واجتمع في الحلة عدد كبير من الطلاب والعلماء، وانتقل معهم النشاط
العلمي من بغداد إلى الحلة، واحتفلت هذه البلدة - وهي يومئذ من الحواضر
الإسلامية الكبرى - بما كانت تحتفل به بغداد من وجوه النشاط الفكري: ندوات
البحث والجدل، وحلقات الدراسة، والمكاتب، والمدارس، وغيرها.
واستقرت المدرسة في الحلة، وظهر في هذا الدور في الحلة: فقهاء كبار،
كان لهم الأثر الكبير في تطوير مناهج الفقه والأصول الإمامي، وتجديد صياغة
عملية الاجتهاد، وتنظيم أبواب الفقه كالمحقق الحلي، والعلامة، وولده فخر
المحققين، وابن نما، وابن أبي الفوارس، والشهيد الأول، وابن طاوس، وغيرهم
من فطاحل الأعلام ورجال الفكر..
ومهما يكن من أمر، فقد كانت (مدرسة الحلة) امتدادا لمدرسة بغداد،



[1] راجع سبب إعطاء الأمان إليهم في الموضوع التالي.
ترجمة المؤلف 14

وتطويرا لمناهجها وأساليبها، فبالرغم من الفتح الفقهي الكبير الذي قدر لمدرسة
بغداد على يد شيخ الطائفة الطوسي، كانت المدرسة بداية لفتح جديد، ومرحلة
جديدة الاستنباط لم تخل من بدائية.
فقدر لمدرسة الحلة - نتيجة لممارسة هذا اللون الجديد من التفكير
والاستنباط - أن تمسح عنها مظاهر البدائية، وأن تسوي من مسالكها، وأن توسع
الطريق للسالكين، وتمهدها لهم.
ولئن كان الشيخ الطوسي بلغ قمة الفكر الفقهي لمدرسة بغداد، فقد بلغ - من
بعده - العلامة الحلي قمة الفكر الفقهي لمدرسة الحلة.
ولولا جهود علماء هذا العصر، لظلت مدرسة بغداد على المستوى الذي خلفها
الشيخ عليه من ورائه، ولما قطعت هذه المراحل الطويلة التي قطعتها فيما بعد على
أيدي علماء كبار، أمثال: المحقق الحلي والعلامة والشهيد الأول وغيرهم (1).
بين والده وهولاكو
ومما يناسب المقام هنا بعد ذكر هذه النبذة التأريخية المختصرة عن مدرسة
الحلة الفقهية، ما نقله العلامة نفسه في كتابه: " كشف اليقين في فضائل
أمير المؤمنين - عليه السلام - " ص 28 في أخبار مغيبات أمير المؤمنين - عليه السلام -
قال:
ومن ذلك إخباره - عليه السلام - بعمارة بغداد، وملك بني العباس، وأحوالهم،
وأخذ المغول الملك منهم، رواه والدي رحمه الله، وكان ذلك سبب سلامة أهل
الكوفة والحلة والمشهدين الشريفين من القتل [والفتك].
لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها، هرب أكثر أهل الحلة



[1] ومن أراد التوسع، فليراجع تقديم العلامة الآصفي لكتاب اللمعة ج 1 ص 68 - 76.
ترجمة المؤلف 15

إلى البطائح إلا القليل، فكان من جملة القليل والدي رحمه الله، والسيد مجد
الدين ابن طاوس، والفقيه ابن أبي العز، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم
مطيعون داخلون تحت الأيلية (1)، وأنفذوا به شخصا أعجميا، فأنفذ السلطان إليهم
فرمانا (2) مع شخصين، أحدهما يقال له: نكله، والآخر: علاء الدين، وقال لهما:
قولا لهم: إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم، تحضرون إلينا.
فجاء الأميران، فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه، فقال والدي
- رحمه الله -: إن جئت وحدي كفى؟ فقالا: نعم، فاصعد معهما، فلما حضر بين
يديه وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة، قال له: كيف قدمتم على
مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟
وكيف تأمنون إن يصالحني (3) ورحلت عنه؟ فقال والدي - رحمه الله -:
إنما أقدمنا على ذلك، لأنا روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه
السلام - أنه قال في خطبة الزوراء (4):
.. وما أدراك ما الزوراء، أرض ذات أثل (5)، يشيد فيها البنيان وتكثر فيها
السكان، ويكون فيها مهادم وخزان، يتخذها ولد العباس موطنا، ولزخرفهم
مسكنا "، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر، والخوف المخيف،
والأئمة الفجرة، والأمراء الفسقة، والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم،
لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه، ولا يتناهون عن منكر إذا نكروه، تكفى الرجال
منهم بالرجال، والنساء بالنساء، فعند ذلك: الغم العميم، والبكاء الطويل، والويل



[1] عنوان القيادة المغولية، إيل: قبيلة هولاكو.
[2] جمعها: فرامين، عهد السلطان للولاة، وهي فارسية الأصل، معربها: أمر.
[3] المقصود به الخليفة العباسي المستعصم الذي كان في بغداد.
[4] قال الفيروزآبادي: الزوراء: بغداد.
[5] شجر من فصيلة الطرفائيات، يكثر قرب المياه، أوراثه دقيقة وأزهاره عنقودية.
ترجمة المؤلف 16

والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، وهم صغار الحدق (1)، وجوههم
كالمجان المطرقة (2)، لباسهم الحديد، جرد مرد (3)، يقدمهم ملك يأتي من حيث
بدا ملكهم، جهوري الصوت، قوي الصولة، عالي الهمة، لا يمر بمدينة إلا فتحها،
ولا ترفع عليه راية إلا نكسها، الويل الويل لمن ناوأه (4)، فلا يزال كذلك حتى
يظفر (5).
فلما وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم، رجوناك فقصدناك، فطيب
قلوبهم وكتب لهم فرمانا " باسم والدي - رحمه الله -، يطيب فيه قلوب أهل الحلة
وأعمالها.
فكان بفضل حزم وتدبير والد العلامة، سلامة مدينة الحلة الفيحاء، والكوفة
الغراء والمشاهد المشرفة للأئمة الطاهرين، بعيدة محفوظة عن فتك المغول
ووحشيتهم، وإتماما لهذه البادرة العقلائية الخيرة من هذا الشيخ الجليل، كانت
مبادرة السيد مجد الدين محمد بن الحسن بن موسى بن جعفر بن طاوس، حيث
ألف كتابا " خاصا " أسماه: " البشارة " وأهداه إلى هولاكو، فكان من بركته أن رد
- هولاكو - إليه شؤون النقابة في البلاد الفراتية، وأمر بسلامة المشهدين الشريفين
للإمامين الكاظمين الجوادين، ومدينتهم: الحلة الفيحاء.
ومهما قيل عن هاتين المبادرتين الخيرتين من تفسير وتأويل، فإنهما كانتا
مثمرتين بثمار مفيدة، منتهيتين بنتائج نافعة تركت آثارا طيبة إلى يومنا هذا، ولم
يكن علماء الحلة ولا غيرهم من سائر علمائنا العظام من أولئك المساومين أو



[1] إشارة منه عليه السلام إلى صغر عيونهم، الحدق: جمع حدقة، وهي: سواد العين الأعظم
[2] النعال التي الزق بها الطراق، وهو جلد يقور على مقدار الترس ثم يلزق به
[3] جرد: جمع أجرد وهو: الذي لا شعر في بدنه، ومرد: جمع أمرد وهو: الذي لا لحية له
[4] ناوأه: عاداه، عارضه
[5] نهج البلاغة، للدكتور صبحي الصالح، في وصف الأتراك، ص 186.
ترجمة المؤلف 17

النازلين على حكم الأجنبي الغادر، خصوصا " إذا كان بهذه الدرجة من الوحشية
الكاسرة، والبعد عن حمل المظاهر الإنسانية.
كل ما في الأمر أنهم أرادوا أن يطلبوا الأمان لأنفسهم، ويكونوا بعيدين عن
الفتك والسفك، حفظا لحرمهم، وحقنا لدمائهم، وصونا لمقدساتهم عن التعرض
والانتهاك.
مشايخه في القراءة والرواية
درس العلامة الحلي - رحمه الله - على جمهور كثير من الفقهاء والأعلام
المبرزين في عصره - عامة وخاصة - وإليك أسماءهم شيعة فسنة:
1 - خاله الأكرم وأستاذه الأعظم، رئيس العلماء والمحقق على الإطلاق،
فقيه مدرسة آل محمد - صلى الله عليه وآله -: الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن
سعيد الهذلي الحلي - صاحب الشرائع والمختصر النافع والنكت - الرائد الأول
لمدرسة الحلة الفقهية، ومن أعاظم فقهاء الإمامية، توفي سنة 676 ق. درس عليه
العلوم الفقهية والأصولية والعربية خاصة.
وصفه تلميذه ابن داود قائلا ": الإمام العلامة واحد عصره، كان ألسن أهل
زمانه، وأقومهم بالحجة، وأسرعهم استحضارا (1).
2 - والده الأجل والشيخ الأكمل، الفقيه، المتكلم، الأصولي: سديد الدين
يوسف ابن زين الدين علي بن المطهر الحلي.
3 - أستاذه، سلطان المحققين: الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن
الطوسي، درس عليه الفلسفة والكلام والهيئة والرياضيات، كما أشار العلامة نفسه
إلى أنه قرأ عليه: " إلهيات الشفاء، لابن سينا " وكتاب " التذكرة في الهيئة،



[1] الكنى والألقاب ج 3 ص 134.
ترجمة المؤلف 18

للطوسي " وغيرهما.
4 - الشيخ الجليل: مفيد الدين محمد بن علي بن محمد بن جهم الحلي
الأسدي.
5 - الحكيم المتأله: كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، صاحب
الشروح الثلاثة على نهج البلاغة.
6 - الشيخ نجيب الدين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن
سعيد الهذلي الحلي - صاحب كتاب: نزهة الناظر، وجامع الشرائع - ابن عم
المحقق الحلي.
7 - العالم النحرير: الحسن بن الشيخ كمال الدين علي بن سليمان
البحراني
8 - السيد الجليل: رضي الدين علي بن موسى بن طاوس.
9 - جمال الدين أبو الفضائل والمناقب: السيد أحمد بن موسى بن جعفر بن
طاوس.
10 - نجم الملة والدين: جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي
البقاء هبة الله بن نما الحلي الربعي، المتوفى سنة 645 - صاحب كتاب: أخذ
الثار، ومثير الأحزان.
11 - الشيخ الأعظم: بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي - صاحب كتاب:
كشف الغمة.
12 - السيد عبد الكريم بن طاوس - صاحب كتاب: فرحة الغري.
كما درس القرآن الكريم وتعلم علومه وأتقن فنونه على أستاذه الخاص
(محرم) الذي كان والده قد عينه له.
كان هؤلاء شيوخه من الإمامية، أما شيوخه من العامة الذين درس عليهم:
1 - نجم الدين علي بن عمر الكاتبي القزويني الشافعي المعروف بدبيران
ترجمة المؤلف 19

المنطقي، تلميذ المحقق الطوسي، صاحب كتاب: متن الشمسية في المنطق،
والتصانيف، الكثيرة، كان من أفضل علماء الشافعية وأعلم أهل زمنه بالمنطق
والهندسة وآلات الرصد، وكان عارفا " بالحكمة، كما عن إجازة العلامة لبني زهرة.
2 - الشيخ برهان الدين النسفي.
3 - الشيخ جمال الدين حسين بن آبان النحوي
4 - الشيخ عز الدين الفاروقي الواسطي، وهو من كبار فقهاء العامة.
5 - الشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي الصباغ الحنفي الكوفي.
6 - شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الكشي - المتكلم الفقيه - ابن
أخت قطب الدين العلامة الشيرازي
7 - رضي الدين الحسن بن علي الصنعاني الحنفي، فإن العلامة قد روى عنه
8 - عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي، المتوفى سنة 655 ق، صاحب
الموسوعة الغراء: شرح نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين - عليه السلام.
تلاميذه في القراءة والرواية
لقد فاز العلامة الحلي بالمقام الرفيع والمثوبة العظيمة، بتربية نخبة من
أعاظم الفقهاء والعلماء على يديه، كانوا بعد ذلك مشاعل نيرة وأعلاما خيرة في
سبيل إحياء تراث الأئمة الخالد الذي يمثل عظمة رواد مدرسة أهل البيت - عليهم
السلام -، فمن هؤلاء التلاميذ العظام:
1 - ولده الصالح، أجل الفقهاء وأعظم الأساتيذ، المحقق البحاثة، فخر
المحققين أبو طالب محمد - الذي خصه العلامة بتأليف الكثير من كتبه لأجله،
كما خصه بالوصية الغراء التي أوردها في آخر كتابه القواعد (1)، أمره فيها بإتمام



[1] سنذكرها كاملة فيما بعد.
ترجمة المؤلف 20

ما بقي ناقصا " من كتبه بعد وفاته، وإصلاح ما وجد فيها من الخلل، وهي تتضمن
أنبل المواعظ الأخلاقية، وأسمى النصائح الربانية - المتولد في ليلة الاثنين
20 جمادى الأولى سنة 628 ق والمتوفى ليلة الجمعة 25 جمادى الآخرة سنة
771 ق.
2 - ابنا أخته السيدان الجليلان والحسينيان الأعرجيان: عميد الدين
عبد المطلب والسيد ضياء الدين عبد الله، ابنا السيد مجد الدين أبي الفوارس محمد
الحسيني. ولهما أعقاب علماء أجلاء، كما وأن لفخر المحققين (ولد العلامة)
ولدين عالمين هما: ظهير الدين محمد، وأبو المظفر يحيى.
3 - الشيخ تقي الدين إبراهيم بن محمد البصري، كتب العلامة: مبادئ
الوصول إلى علم الأصول، بطلب منه.
4 - الشيخ محمد بن علي بن محمد الجرجاني الغروي، شرح كتاب
أستاذه: مبادئ الوصول وأسماه: غاية البادئ في شرح المبادئ.
5 - الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الحسين بن علي الآملي.
6 - رضي الدين أبو الحسن علي بن جمال الدين أحمد بن يحيى المزيدي،
المتوفى سنة 757 ق.
7 - الشيخ علي بن الحسن الإمامي، وقد شرح من تأليفات أستاذه العلامة
كتاب: مبادئ الوصول وأسماه: خلاصة الأصول.
8 - الشيخ الفقيه زين الملة والدين أبو الحسن علي بن أحمد بن طراد
المطار آبادي المتوفى سنة 762 ق.
9 - السيد بدر الدين محمد، أخو علاء الدين - التالي ذكره.
10 - السيد علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة
الحسني الحلي، وهو الذي كتب العلامة له ولولده ولأخيه الإجازة الكبيرة لأبناء
زهرة.
ترجمة المؤلف 21

11 - السيد شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن علاء الدين - المتقدم ذكره -
وهم من أبناء زهرة.
12 - السيد الجليل مهنأ بن سنان بن عبد الوهاب المدني الحسيني،
صاحب الجوابات الأولى والثانية.
13 - السيد العالم النحرير: أحمد بن أبي إبراهيم محمد بن الحسن بن زهرة
الحسني الحلبي.
14 - السيد النقيب تاج الدين أبو عبد الله محمد بن القاسم بن الحسين بن معية الحلي الحسني.
15 - الشيخ العالم: الحسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي (نزيل
قاسان).
16 - الشيخ الحكيم المتأله: قطب الدين أبو جعفر محمد بن محمد الرازي
البويهي، صاحب شرح الشمسية والمطالع.
17 - الشيخ الحسن بن الحسين بن الحسن بن معانق (1).
18 - السيد أحمد العريضي (2). ذكره صاحب الرياض
طرفه إلى كتب الأحاديث
قال في آخر الخلاصة:
لنا طرق متعددة إلى الشيخ السعيد أبي جعفر الطوسي - رحمه الله - وكذا إلى
الشيخ الصدوق أبي جعفر بن بابويه، وكذا إلى الشيخين أبي عمرو الكشي وأحمد



[1] ذكره صاحب " رياض العلماء " وقال: رأيت نسخة من الخلاصة للعلامة مكتوبة بخط هذا الشيخ،
وكان تأريخ كتابتها سنة 707 ق، أي في في حياة أستاذه المترجم له.
[2] أعرضنا عن ذكر المصادر في الأسماء خوف السأم والملل، ومن أراد الاطلاع، فليراجع المدخل من
موسوعة البحار للعلامة المجلسي ص 246 من الطبعة الجديدة.
ترجمة المؤلف 22

أبي العباس النجاشي. ونحن نثبت هاهنا منها ما يتفق، وكلها صحيحة، فالذي
إلى الشيخ الطوسي - رحمه الله - فإنا نروي جميع رواياته ومصنفاته وإجازاته عن والدي
الشيخ يوسف بن علي بن مطهر - رحمه الله - عن الشيخ يحيى بن محمد بن يحيى
بن الفرج السوراوي، عن الفقيه الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن المفيد أبي علي
الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي، عن والده الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي.
وعن والدي عن السيد أحمد بن يوسف بن أحمد العريضي العلوي الحسيني،
عن برهان الدين محمد بن محمد بن علي الحمداني القزويني - نزيل الري - عن
السيد فضل الله أبي علي الحسيني الراوندي، عن عماد الدين أبي الصمصام ذي
الفقار بن معبد الحسيني، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.
وعن والدي أبي المظفر يوسف بن مطهر - رحمه الله - عن السيد فخار بن معد
بن فخار العلوي الموسوي، عن الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي، عن الشيخ أبي
القاسم العماد الطبري، عن المفيد أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي،
عن الشيخ والده أبي جعفر الطوسي.
والذي لي إلى الشيخ أبي جعفر بن بابويه، فإنا نروي جميع مصنفاته وإجازته
عن والدي - رحمه الله - عن السيد أحمد بن يوسف بن أحمد بن العريضي
الحسيني، عن البرهان محمد بن محمد بن علي الحمداني القزويني، عن السيد
فضل الله بن علي الحسيني الراوندي، عن العماد أبي الصمصام بن معبد
الحسيني، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي جعفر محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه - رحمه الله.
وبهذا الإسناد عن أبي الصمصام عن النجاشي بكتابه عن الشيخ أبي جعفر
الطوسي - رحمه الله.
وبالإسناد عن أبي هارون بن موسى التلعكبري - رحمه الله - عن أبي عمرو
ترجمة المؤلف 23

محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي - رحمه الله - بكتابه، وقد اقتصرت من الروايات
إلى هؤلاء المشايخ بما ذكرت، والباقي من الروايات إلى هؤلاء المشايخ وإلى
غيرهم مذكور في كتابنا الكبير، من أراده، وقف عليه هناك.
تقسيمه الحديث إلى أقسامه المشهورة
قال المحقق الكبير السيد محسن الأمين العاملي:
اعلم أن تقسيم الحديث إلى أقسامه المشهورة، كان أصله من غيرنا ولم يكن
معروفا " بين قدماء علمائنا، وإنما كانوا يردون الحديث بضعف السند، ويقبلون ما
صح سنده، وقد يردونه لأمور أخر، وقد يقبلون ما لم يصح سنده، لاعتضاده بقرائن
الصحة أو غير ذلك، ولم يكن معروفا " بينهم الاصطلاح المعروف في أقسام
الحديث اليوم، وأول من استعمل ذلك الاصطلاح: العلامة الحلي، فقسم الحديث
إلى: الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف، والمرسل، وغير ذلك. وتبعه من
بعده إلى اليوم.
وعاب عليه وعلى سائر المجتهدين ذلك الإخباريون، لزعمهم أن جميع ما في
كتب الأخبار صحيح، من أن نفس أصحاب الكتب الأربعة قد يردون الرواية
بضعف السند.
وبالغ بعض متعصبة الأخبارية فقال: هدم الدين مرتين، ثانيتهما: يوم
أحدث الاصطلاح الجديد في الأخبار. وربما نقل عن بعضهم جعل الثانية: يوم
ولد العلامة الحلي. وهذا كله جهل فاضح ساعد عليه: تسويل إبليس، وضعف
التقوى، فأصحابنا لم يريدوا أن يكونوا محرومين من فائدة تقسيم الحديث إلى
أقسامه، ولا أن يمتاز غيرهم بشئ عنهم، فقسموا الحديث إلى أقسامه المشهورة،
وتركوا للمجتهد الخيار فيما يختاره منها أن يكون مقبولا عنده، فمن عابها بذلك فهو
ترجمة المؤلف 24

أولى بالعيب والذم (1).
أقوال علماء الشيعة فيه
قال معاصره ابن داود في رجاله:
شيخ الطائفة وعلامة وقته، صاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف،
انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول
وأثنى عليه البحاثة الرجالي الميرزا عبد الله الأصفهاني في المجلد الثاني من
رياض العلماء، قائلا:
الإمام الهمام، العالم العامل، الفاضل، الكامل، الشاعر، الماهر، علامة
الإطلاق، والموصوف بغاية العلم، ونهاية الفهم، والكمال في الآفاق، كان ابن
أخت المحقق، وكان - رحمه الله - آية لأهل الأرض، وله حقوق عظيمة على زمرة
الإمامية والطائفة الحقة الاثني عشرية، لسانا وبيانا وتدريسا، وتأليفا. وقد
كان - رضي الله عنه - جامعا لأنواع العلوم، مصنفا في أقسامها، حكيما، متكلما،
فقيها، محدثا، أصوليا، أديبا، شاعرا ماهرا، وقد رأيت أشعاره ببلدة أردبيل، وهي
تدل على جودة طبعه في أنواع النظم أيضا "، وكان وافر التصانيف، متكاثر
التآليف، أخذ واستفاد عن جم غفير من علماء عصره من العامة والخاصة، وأفاد
على جمع غفير من فضلاء دهره من الخاصة، بل من العامة..
وكان من أزهد الناس وأتقاهم، ومن زهده: ما حكاه السيد حسين المجتهد
في رسالة النفحات القدسية أنه - قدس سره - أوصى بجميع صلواته وصيامه مدة
عمره، وبالحج عنه مع أنه كان قد حج.



[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 401.
ترجمة المؤلف 25

وأطراه العلامة المجلسي قائلا ":
الشيخ الأجل الأعظم، فريد عصره ووحيد دهره، بحر العلوم والفضائل، ومنبع
الأسرار والدقائق، مجدد المذهب ومحييه، وماحي أعلام الغواية ومفنيه، الإمام
العلامة الأوحد، آية الله المطلق جمال الدين.
كان من فطاحل علماء الشريعة، وأعاظم فقهاء الجعفرية، جامعا لشتى
العلوم، حاويا مختلفات الفنون، مكثرا للتصانيف ومجودا فيها، استفادت الأمة
جمعاء من تصانيفه القيمة منذ تأليفها، وتمتعوا من أنظاره الثاقبة طيلة حياته وبعد
مماته، له ترجمة ضافية في كتب التراجم وغيرها، تعرب عن تقدمه في العلوم
وتضلعه فيها، وتنم عن مراتبه السامية في العلم والعمل، وقوة عارضته في الظهور
على الخصم، وذبه عن حوزة الشريعة، ونصرته للمذهب
وقال العلامة الفقيه الشيخ أسد الله التستري الكاظمي في كتاب المقابس:
الشيخ الأجل الأعظم، بحر العلوم والفضائل والحكم، حافظ ناموس الهداية،
كاسر ناقوس الغواية، حامي بيضة الدين، ماحي آثار المفسدين، الذي هو بين
علمائنا الأصفياء كالبدر بين النجوم، وعلى المعاندين الأشقياء أشد من عذاب
السموم، وأحد من الصارم المسموم، صاحب المقالات الفاخرة، والكرامات
الباهرة، والعبارات الزاهرة، والسعادات الظاهرة، لسان الفقهاء والمتكلمين
والمحدثين والمفسرين، ترجمان الحكماء والعارفين، والسالكين والمتبحرين
الناطقين، مشكاة الحق المبين، الكاشف عن أسرار الدين المتين، آية الله التامة
العامة، وحجة الخاصة على العامة، علامة المشارق والمغارب، وشمس سماء
المفاخر والمناقب والمكارم والمآرب..
وامتدحه العلامة النوري بعد أن بالغ في مدحه وثنائه قائلا:
ولآية الله العلامة بعد ذلك من المناقب والفضائل ما لا يحصى، أما درجاته في
العلوم ومؤلفاته فيها: فقد ملأت الصحف، وضاق عنها الدفتر، وكلما أتعب نفسي
ترجمة المؤلف 26

فحالي كناقل التمر إلى هجر، فالأولى - تبعا " لجمع من الأعلام - الإعراض عن هذا
المقام.
وأثنى عليه صاحب المجالس قائلا:
العلامة جمال الدين حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، حامي بيضة
الدين، وماحي آثار المفسدين، وناشر ناموس الهداية، وكاسر ناقوس الغواية، متمم
العقلية، وحاوي أساليب الفنون النقلية، محيط دائرة الدرس والفتوى، مركز دائرة
الشرع والتقوى، مجدد مآثر الشريعة المصطفوية، ومحدد جهات الطريقة
المرتضوية..
وقال الشيخ عباس القمي في السفينة:
العلامة: هو الشيخ الأجل الأعظم، بحر العلوم والفضائل والحكم، حامي
بيضة الدين، ماحي آثار المفسدين، لسان الفقهاء والمتكلمين والمحدثين
المفسرين، ترجمان الحكماء والعارفين والسالكين المتبحرين، الناطق عن مشكاة
الحق المبين، الكاشف عن أسرار الدين المتين، علامة المشارق والمغارب،
وشمس سماء المفاخر والمناقب، آية الله الشيخ.. أفاض الله على تربته شآبيب
الرحمة والرضوان، وأسكنه أعلى غرف الجنان، محقق، مدقق، عظيم الشأن،
لا نظير له في الفنون والعلوم العقليات والنقليات.
وقال السيد بحر العلوم في فوائده الرجالية:
علامة العالم، وفخر نوع بني آدم، أعظم العلماء شأنا "، وأعلاهم برهانا "،
سحاب الفضل الهاطل، وبحر العلوم الذي ليس له ساحل، جمع من العلوم ما
تفرق في جميع الناس، وأحاط من الفنون بما لا يحيط به القياس، مروج المذهب
والشريعة في المائة السابعة، ورئيس علماء الشيعة من غير مدافعة، صنف في
كل علم كتبا "، وآتاه الله من كل شئ سببا،.. إلى أن قال: إنه مع ذلك كان
شديد التورع، كثير التواضع، خصوصا " مع الذرية الطاهرة النبوية، والعصابة
ترجمة المؤلف 27

العلوية، كما يظهر من المسائل المدنية وغيرها. وقد سمعت من مشايخنا - رضوان
الله عليهم - أنه: كان يقضي صلاته إذا تبدل رأيه في بعض ما يتعلق بها من
المسائل، حذرا " من احتمال التقصير في الاجتهاد، وهذا غاية الاحتياط، ومنتهى
الورع والسداد، وليت شعري كيف كان يجمع بين هذه الأشياء التي لا يتيسر
القيام ببعضها لأقوى العلماء والعباد، ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وفي مثله
يصح قول القائل:
ليس على الله بمستبعد * أن يجمع العالم في واحد
وقال السماهيجي في إجازته:
إن هذا الشيخ رحمه الله، بلغ في الاشتهار بين الطائفة، بل العامة شهرة
الشمس في رائعة النهار، وكان فقيها، متكلما، حكيما، منطقيا، هندسيا،
رياضيا، جامعا لجميع الفنون، متبحرا في كل العلوم من المعقول والمنقول، ثقة
إماما في الفقه والأصول، وقد ملأ الآفاق بتصنيفه، وعطر الأكوان بتأليفه
مصنفاته، وكان أصوليا بحتا، ومجتهدا صرفا.
وقال المولى الرجالي الجليل الشيخ عبد النبي بن علي الكاظمي - قدس سره -
في كتابه الرجال - الذي هو تعليقة على كتاب: نقد الرجال للتفرشي:
الحسن بن يوسف بن المطهر، هذا الرجل اتفق علماء الإسلام على وفور
علمه في جميع الفنون وسرعة التصنيف، وبالغوا فيه وفي وثاقته.
وقال فقيه الشيعة الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين:
وكان هذا الشيخ وحيد عصره، وفريد دهره، الذي لم تكتحل حدقة الزمان له
بمثيل ولا نظير، كما لا يخفى على من أحاط خبرا " بما بلغ إليه من عظم الشأن في
هذه الطائفة ولا ينبؤك مثل خبير.
وأطراه الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين قائلا ":
فاضل، عالم علامة العلماء، محقق، مدقق، ثقة، ثقة، فقيه، محدث،
ترجمة المؤلف 28

متكلم، ماهر، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، لا نظير له في الفنون
والعلوم العقليات والنقليات، وفضائله ومحاسنه أكثر من أن تحصى
وامتدحه المولى نظام الدين في نظام الأقوال بقوله:
شيخ الطائفة وعلامة وقته، صاحب التحقيق والتدقيق، وكل من تأخر عنه
استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف
وقال الشيخ البهائي في إجازته لصفي الدين محمد القمي:
العلامة آية الله في العالمين، جمال الحق والملة والدين.
وذكره الفاضل التفرشي في نقد الرجال قائلا:
ويخطر ببالي أن لا أصفه، إذ لا يسع كتابي هذا ذكر علومه وتصانيفه،
وفضائله ومحامده، وأن كل ما يوصف به الناس من جميل وفضل فهو فوقه، له أكثر
من سبعين كتابا في الأصول والفروع والطبيعي والإلهي وغيرها.
وأطراه علي بن هلال في إجازته للمحقق الكركي، بقوله:
الشيخ الإمام الأعظم المولى الأكمل الأفضل الأعلم جمال الملة والحق
والدين.
وفي إجازة المحقق الكركي لسمية الميسي:
شيخنا الإمام، شيخ الإسلام، مفتي الفرق، بحر العلوم، أوحد الدهر، شيخ
الشيعة بلا مدافع، جمال الملة والحق والدين.
وفي إجازته للمولى حسين بن شمس الدين محمد الاسترآبادي، قال:
الإمام السعيد، أستاذ الكل في الكل، شيخ العلماء والراسخين، سلطان
الفضلاء، المحققين، جمال الملة والحق والدين.
وقال الشهيد الأول في إجازته لابن الخازن:
الإمام الأعظم الحجة، أفضل المجتهدين: جمال الدين.
وأثنى عليه الشهيد الثاني في إجازته للسيد علي بن الصائغ، قائلا:
ترجمة المؤلف 29

شيخ الإسلام ومفتي فرق الأنام، الفاروق للحق بالحق، جمال الإسلام
والمسلمين، ولسان الحكماء والفقهاء والمتكلمين، جمال الدين..
وقال شرف الدين الشولستاني في إجازته للعلامة المجلسي الأول:
الشيخ الأكمل العلامة آية الله في العالمين، جمال الملة والحق والدين
وامتدحه ابن أبي جمهور الأحسائي في إجازته للشيخ محمد بن صالح الحلي،
قائلا:
شيخنا وإمامنا، ورئيس جميع علمائنا، العلامة الفهامة، شيخ مشايخ الإسلام
والفارق بفتاويه بين الحلال والحرام، والمسلم له الرئاسة في جميع فرق الإسلام.
وقال السيد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة لفنون الإسلام:
لم يتفق في الدنيا مثله، لا في المتقدمين ولا في المتأخرين، وخرج من
عالي مجلس تدريسه: خمسمائة مجتهد.. كان اسما " طابق المسمى، ووصفا "
طابق المعنى، وهو بحر العلوم على التحقيق، والمحقق في كل معنى دقيق،
أستاذ الكل في الكل بلا تأمل.
وقال العلامة الشهيد مرتضى المطهري:
كان من أعاجيب الرجال الأفذاذ، كتب في الفقه والأصول والكلام والمنطق
والفلسفة والرجال وغيرها، يوجد الآن من كتبه مات يقرب من مائة كتاب مطبوع أو
مخطوط، يكفي بعضها كتذكرة الفقهاء، ليكون مرآة لنبوغ هذه الشخصية
الفقهية..
إلى غير ذلك من كلمات وأقوال الفطاحل من الفقهاء، ومؤلفي معاجم
التراجم في حق هذا العبقري، الذي عقمت أعصار الدهر أن تلد مثله، فكان مثال
قول القائل:
هيهات أن يأتي الزمان بمثله * إن الزمان لمثله لعقيم
ترجمة المؤلف 30

أقوال علماء السنة فيه
قال ابن حجر في لسان الميزان ج 2 ص 317:
الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، عالم الشيعة ومصنفهم، وكان آية في
الذكاء، شرح مختصر ابن الحاجب شرحا جيدا سهل المأخذ غاية في الإيضاح،
واشتهرت تصانيفه في حياته، وهو الذي رد عليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في
كتابه المعروف بالرد على الرافضي. وكان ابن المطهر مشهر الذكر وحسن
الأخلاق، ولما بلغه بعض كتاب ابن تيمية، قال: لو كان يفهم ما أقول أجبته (1).
وقال أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي في كتابه النجوم الزاهرة
الجزء التاسع ص 267:
.. فيها توفي شيخ الرافضة، جمال الدين الحسين بن يوسف بن المطهر
الحلي المعتزلي، شارح كتاب: " مختصر ابن الحاجب " في المحرم. كان عالما "
بالمعقولات، وكان رضي الخلق، حليما، وله وجاهة عند خربندا - ملك التتار - وله
عدة مصنفات، غير أنه كان رافضيا " خبيثا " على مذهب القوم، ولابن تيمية عليه رد
في أربعة مجلدات، وكان يسميه ابن المنجس، يعني عكس شهرته كونه كان يعرف
بابن المطهر.
وقال خير الدين الزركلي في أعلامه ج 2 ص 244:
الحسن، ويقال: الحسين بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، جمال
الدين، ويعرف بالعلامة: من أئمة الشيعة، وأحد كبار العلماء. نسبته إلى الحلة
(في العراق) وكان من سكانها، مولده ووفاته فيها، له كتب كثيرة، منها.. ثم عد
كتبه



[1] هذه العبارة هي صدر بيت من الشعر.
ترجمة المؤلف 31

قال العلم النسابة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي:
رأيت بخط بعض العلماء الشوافع في مجموعه وقد أطرى في الثناء على
المترجم: وأنه فاق علماء الإسلام في عصره في بابي القضاء والفرائض، لم ير له
مثيل، ونقل عنه مسائل عويصة ومعاضل مشكلة في هذين البابين.
وقال ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة ج 2 ص 71:
الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي، جمال الدين الشهير بابن المطهر الأسدي
- يأتي في الحسين - ثم قال هناك: الحسين بن يوسف بن المطهر الحلي
المعتزلي، جمال الدين الشيعي.. ولازم النصير الطوسي مدة، واشتغل في العلوم
العقلية، فمهر فيها، وصنف في الأصول والحكمة، وكان صاحب أموال وغلمان
وحفدة، وكان رأس الشيعة بالحلة، واشتهرت تصانيفه، وتخرج به جماعة، وشرحه
على مختصر ابن الحاجب في غاية الحسن في حل ألفاظه وتقريب معانيه في فقه
الإمامية، وكان قيما " بذلك داعيا " إليه، وله كتاب في الإمامة رد عليه فيه ابن
تيمية بالكتاب المشهور، وقد أطنب فيه وأسهب وأجاد في الرد، إلا أنه تحامل
في مواضع عديدة ورد أحاديث موجودة وإن كانت ضعيفة بأنها مختلقة، وإياه عني
الشيخ تقي الدين السبكي بقوله:
وابن المطهر لم تطهر خلائقه * داع إلى الرفض غال في تعصبه
ولابن تيمية رد عليه به * أجاد في الرد واستيفاء أضربه
قال: وله كتاب الأسرار الخفية في العلوم العقلية، وبلغت تصانيفه، مائة
وعشرين مجلدة فيما يقال، ولما وصل إليه كتاب ابن تيمية في الرد عليه، كتب
أبياتا أولها:
لو كنت تعلم كل ما علم الورى * طرا لصرت صديق كل العالم
لكن جهلت فقلت إن جميع من * يهوى خلاف هواك ليس بعالم
قال: وقد أجابه الشمس الموصلي على لسان ابن تيمية، ويقال: إنه تقدم
ترجمة المؤلف 32

في دولة خربندا وكثرت أمواله وكان مع ذلك في غاية الشح، وحج في أواخر عمره
وتخرج به جماعة في عدة فنون.
وللعلامة الحجة السيد محسن الأمين تعليق على هذا، نورده هنا إتماما "
للفائدة، ودحضا لشبه المبطلين، قال:
وفي كلام ابن حجر هذا مواقع للنظر وأمور محتاجة للشرح والإكمال، فهو قد
أنصف بعض الإنصاف في قوله: إن ابن تيمية تحامل في مواضع عديدة ورد
أحاديث موجودة بأنها مختلقة، لكنه ما أنصف في قوله: إنها ضعيفة. فإن فيها:
المتواتر، والمستفيض، وما روته الثقات، وأودعته في كتبها الرواة.
والصواب: أن ابن تيمية بلغ به التحامل إلى إنكار متواتر الأخبار ومسلمات
التأريخ. وقد خطر بالبال عند قراءة أبيات السبكي - التي نقلها - هذه الأبيات:
لا تتبع كل من أبدى تعصبه * لرأيه نصرة منه لمذهبه
بالرفض يرمى ولي الطهر حيدرة * وذاك يعرب عن أقصى تنصبه
كن دائما لدليل الحق متبعا " * لا للذي قاله الآباء وانتبه
وابن المطهر وافى بالدليل فإن * أردت إدراك عين الحق فأت به
إن السباب سلاح العاجزين وباك * برهان إن كان يبدو كل مشتبه
والشتم لا يلحق المشتوم تبعته * لكنه عائد في وجه صاحبه
وابن المطهر قد طابت خلائقه * داع إلى الحق خال من تعصبه
ولابن تيمية رد عليه وما * أجاد في رده في كل أضربه
حسب ابن تيمية ما كان قبل جرى * له وعاينه من أهل مذهبه
في مصر أو في دمشق وهو بعد قضى * في السجن مما رأوه من مصائبه
مجسم وتعالى الله خالقنا * عن أن يكون له بالجسم من شبه
بذاك صرح يوما " فوق منبره * بالشام حسبك هذا من معائبه
الله ينزل من فوق السماء كما * نزلت عن منبري ذا من عجائبه
ترجمة المؤلف 33

قد شاهد ابن جبير ذاك منه على * مسامع الخلق أقصاه وأقربه
والأبيات التي أرسلها العلامة إلى ابن تيمية وجوابها الذي أجاب به
الشمس الموصلي، قد نقلها ابن عراق في تذكرته فيما حكاه عنه صاحب مجالس
المؤمنين، فقال: قال الشيخ نور الدين علي بن عراق المصري في تذكرته:
إن الشيخ تقي الدين بن تيمية كان معاصرا " للشيخ جمال الدين ويتكلم على
الشيخ جمال الدين في غيابه، فكتب إليه الشيخ جمال الدين:
لو كنت تعلم كلما علم الورى * طرا " لصرت صديق كل العالم
لكن جهلت فقلت إن جميع من * يهوى خلاف هواك ليس بعالم.
فكتب الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي في جوابه
هذين البيتين:
يا من يموه في السؤال مسفسطا * إن الذي ألزمت ليس بلازم
هذا رسول الله يعلم كلما * علموا وقد عاداه جل العالم
قال السيد الأمين:
السفسطة، هي من الشمس الموصلي، فالعلامة الحلي يقول: إن ردك علي
لجهلك بما أقول وعدم فهمك إياه على حقيقته، فلو علمت كل ما علم الورى
ووصل إليه علمهم من الحق، لكنت تذعن لهم ولا تعاديهم، لكنك جهلت حقيقة
ما قالوا فنسبت من لا يهوى هواك منهم إلى الجهل فهو نظير قول القائل:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني * أو كنت أعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني * وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
فأين هذا من نقضه السوفسطائي بأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - يعلم كلما
يعلمه الناس وقد عاداه جل الناس. ولما اطلعت على بيتي الموصلي خطر بالبال
هذان البيتان:
أحسنت في التشبيه كل معاند * لولي آل المصطفى ومقاوم
ترجمة المؤلف 34

مثل المعاند للنبي محمد * والحق متضح لكل العالم
أما نسبته إلى غاية الشح: فلا تكاد تصح ولا تصدق في عالم فقه عظيم عرف
مذام الشح وقبحه. فهو إن لم يكن سخيا " بطبعه فلا بد أن يتسخى بسبب علمه، مع
أننا لم نجد ناقلا نقلها غيره، وليس الباعث على هذه النسبة إلا عدم ما يعاب به
في علمه وفضله وورعه وتقواه فعدل إلى العيب بالشح الذي لم تجر عادة بذكره في
صفة العلماء، بل ولا بذكر الكرم والسخاء غالبا " (1).
.. وقد ذكر العلامة كثير من علماء أهل السنة في غير هذه الكتب، لم
نثبت ما قالوا به، لعدم وجودها في مكتبتنا، ومن أحب الاستزادة، فليرجع إلى:
فهرس دار الكتب ج 1 ص 567، والفهرس التمهيدي ص 170 و 268 و 331، وابن
الوردي ج 2 ص 279، وقال فيه: من غلاة الشيعة، والمنهل الصافي، وغيرها.
مؤلفاته وآثاره العلمية.
لقد برع العلامة في علم الفقه وأصوله وألف فيهما المؤلفات المتنوعة من
مطولات ومتوسطات ومختصرات، كانت كلها محط أنظار العلماء في البحث
والتدريس والتحقيق.. كما برع في الحكمة العقلية حتى أنه باحث الحكماء
السابقين في تأليفاته وأورد عليهم الإشكالات فيه، وحاكم بين شراح الإشارات
لابن سينا، وناقش أستاذه: إمام الكلام الخواجة نصير الدين الطوسي، حتى أنه لما
سئل بعد عودته من زيارته لمدينة الحلة عما شاهده فيها قال: رأيت خريتا ماهرا،
وعالما إذا جاهد فاق. عني بالخريت الماهر: المحقق الحلي، وبالعالم: عيلمنا
المترجم له، وجاء في ركاب الخواجة نصير الدين من الحلة إلى بغداد فسأله في
الطريق عن اثنتي عشرة مسألة من مشكلات العلوم، إحدادها: انتقاض حدود



[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 398.
ترجمة المؤلف 35

الدلالات بعضها بعض. وباحث الفيلسوف الإسلامي الكبير ابن سينا وخطأه،
وكتب في علم أصول الدين وفن المناظرة والجدل وعلم الكلام من الطبيعيات
والإلهيات والحكمة العقلية ومباحثة ابن سينا، وألف في الرد على الخصوم
والاحتجاج المؤلفات الكثيرة النافعة، وليس أدل على سبقه في هذا الفن من
مناظرته المشهورة التي تشيع بعدها السلطان على يده - كما سنذكرها لاحقا ".
ومهر في علم المنطق وألف فيه التصانيف الكثيرة وتقدم في معرفة الرجال،
وألف فيه المطولات والمختصرات، إلا أن بعضها فقد، ولم يعرف له غير
(الخلاصة) وتفوق في علم الحديث، وتفنن في التأليف فيه وفي شرح الأحاديث
ولكن فقدت مؤلفاته في الحديث، كما برع في علم التفسير وكتب فيه، وفي
الأدعية المأثورة وفي علم الأخلاق، وتربى على يده من العلماء الكبار، العدد
الكثير وفاقوا علماء أعصارهم، وهاجر إليه الشهيد الأول من جبل عامل ليقرأ عليه،
فوجده قد توفي فقرأ على ولده - فخر المحققين - تيمنا وتبركا، لا حاجة وتعلما،
ولذلك قال فخر المحققين: استفدت منه أكثر مما استفاد مني
وله في مختلف العلوم وشتى الحقول الثقافية كتب كثيرة نافعة اشتهر صيتها
في جميع البلدان من عصره إلى اليوم
ذكر في نقد الرجال أن له أكثر من سبعين مؤلفا، وذكر الطريحي في مجمع
البحرين مادة (علم) أنه: رأى خمسمائة مجلد بخطه، ولكن العلامة نفسه ذكر في
(خلاصة الأقوال) أسماء 67 مصنفا له، وفي إجازته لمهنأ بن سنان التي كتبها
قبل وفاته بست سنوات ذكر 52 منها.
وأورد العلامة المدرس الخياباني في " ريحانة الأدب " 120 عنوانا لتأليفاته:
15 منها فقهية، و 10 أصولية، وأكثر من أربعين مجلدا في الكتب الكلامية
والفلسفية.
وذكر العلامة آغا بزرگ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة عن رجال أبي
ترجمة المؤلف 36

علي في ترجمة العلامة عن بعض شراح التجريد أنه: بلغ أسماء تصانيفه نحوا " من
ألف عنوان.
وفي الرياض: قد اشتهر أن مؤلفات العلامة بلغت في الكثرة إلى حد لو
قسمت على أيام عمره: لكان لكل يوم ألف بيت، أي: ألف سطر، كل سطر
خمسون حرفا ".
وفي اللؤلؤة: لقد قيل: إنه وزع تصنيف العلامة على أيام عمره - من ولادته إلى
موته - فكان قسط كل يوم كراسا، مع ما كان عليه من الاشتغال بالإفادة والاستفادة
والتدريس والأسفار، والحضور عند الملوك، والمباحثات مع الجمهور، والقيام
بوظائف العبادة والمراسم العرفية، ونحو ذلك من الأشغال، وهذا هو العجب
العجاب، الذي لا شك فيه ولا ارتياب إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب
ونقل بعض متأخري الأصحاب أنه ذكر ذلك عند العلامة المجلسي فقال:
ونحن بحمد الله لو وزعت تصانيفنا على أيامنا، كانت كذلك. فقال بعض
الحاضرين: إن تصانيف مولانا الآخوند مقصورة على النقل، وتصانيف العلامة
مشتملة على التحقيق والبحث بالعقل، فسلم له ذلك حيث كان الأمر كذلك.
وإليك أسماء كتبه مرتبة على حسب حروف الهجاء:
1 - آداب البحث - رسالة مختصرة - توجد نسخة في خزانة المولى محمد علي
الخوانساري في النجف الأشرف.
2 - الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة - ذكره مؤلفه في الخلاصة، عليه
شرح للشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي، وشرح للملا هادي السبزواري، يوجدان في
الخزانة الرضوية المقدسة.
3 - إثبات الرجعة - توجد نسخة في مكتبة مدرسة فاضل خان بمدينة مشهد
كما ذكر ذلك صاحب الذريعة، ومكتبة جامعة طهران
4 - الإجازة الكبيرة لبني زهرة - ذكرها صاحب أمل الآمل - وهم خمسة:
ترجمة المؤلف 37

أ - علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي الحسن بن
أبي المحاسن زهرة الحسيني الحلبي.
ب - ولده شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن علي.
ج - أخوه بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم
د - ولده أمين الدين أبو طالب أحمد بن محمد.
ه‌ - ولده الآخر عز الدين أبو محمد الحسن بن محمد.
5 - الإجازة الكبيرة للسيد نجم الدين مهنأ بن سنان بن عبد الوهاب
الحسني المدني، ذكر فيها فهرس تصانيفه
6 - الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمة الطاهرة - عليهم السلام - ورد في
بعض نسخ الخلاصة، أنه: يقع في أربعة أجزاء.
7 - الأربعون مسألة في أصول الدين
8 - إرشاد الأذهان إلى معرفة أحكام الإيمان - في الفقه - قال صاحب
الذريعة: مجلد حسن الترتيب مبلغ مسائله خمسة عشر ألف مسألة. وهو كثير
الحواشي والشروح، ذكر منها 38 شرحا " وحاشية مختلفة لأهل العصر، ومنها نحو
عشرين شرحا لمشاهير العلماء القدماء، من جملتها تسعة شروح للعلماء العامليين
القدماء. ومن شروحه: الهادي إلى الرشاد
9 - استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار - قال العلامة عنه: ذكرنا
فيه كل حديث وصل إلينا، وبحثنا في كل حديث على صحة السند، أو إبطاله،
وكون متنه محكما " أو متشابها "، وما اشتمل عليه المتن من المباحث الأصولية
والأدبية وما يستنبط من المتن من الأحكامية وغيرها، وهو كتاب لم يعمل
مثله. وأشار إليه في كتابه المختلف في مسألة سؤر كل ما يؤكل لحمه بما دل على
أنه في غاية البسط.
10 - استقصاء (البحث) والنظر في القضاء والقدر - وكأنما هي التي
ترجمة المؤلف 38

وسمها البعض برسالة: إبطال الجبر، التي ألفها للسلطان خدابنده، لما سأله بيان
الأدلة الدالة على أن العبد مختار في أفعاله وأنه غير مجبور عليها، وقد ألف بعض
علماء الهند - من غير الشيعة - قديما " كتابا " في رده، فكتب القاضي الشهيد التستري
ردا " عليه سماه (النور الأنور في تنوير خفايا رسالة، القضاء والقدر) زيف فيه
اعتراضات الهندي على العلامة، وقد طبعه الشيخ علي الخاقاني بالنجف الأشرف
عام 1354 ق.
11 - الأسرار الخفية في العلوم العقلية - من الحكمة والكلام والمنطق،
ثلاثة أجزاء، موجود في المكتبة الحيدرية بالنجف الأشرف، يرد به على
الفلاسفة، ألفه باسم هارون بن شمس الدين الجويني، توجد نسخة أيضا " في مكتبة
الإمام الحكيم العامة بالنجف الأشرف ويظهر أنها بخط العلامة، تقع في 460
صفحة.
12 - الإشارات إلى معاني الإشارات. مجلد، وهو من شروح العلامة على
كتاب الإشارات لابن سينا.
13 - الألفين في إمامة أمير المؤمنين - عليه السلام - كتبه بطلب من ولده فخر
المحققين ولم يتمه بسبب موافاة الأجل، وأتمه ولده من بعده. قال العلامة في مقدمته:
أما بعد فإن أضعف عباد الله تعالى، الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي
يقول: أجبت سؤال ولدي العزيز علي: محمد، أصلح الله أمر داريه، كما هو بر
بوالديه، ورزقه أسباب السعادات الدنيوية والأخروية، كما أطاعني في استعمال
قواه العقلية والحسية، وأسعفه ببلوغ آماله، كما أرضاني بأقواله وأفعاله، وجمع له
بين الرئاستين، كما لم يعصني طرفة عين من إملاء هذا الكتاب الموسوم بكتاب
الألفين، الفارق بين الصدق والمين. أورد فيه ألفا وثمانية وثلاثين دليلا على
وجوب عصمة الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام.
ترجمة المؤلف 39

14 - أنوار الملكوت في شرح فص الياقوت - في الكلام - لأبي إسحاق
إبراهيم النوبختي. مطبوع في إيران ضمن منشورات جامعة طهران.
15 - إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة - مطبوع، وقد رتبه على النهج
المألوف: جد صاحب الروضات، وزاد عليه أيضا ": ابن ملا محسن الكاشاني،
وطبع من فهرست الشيخ في أوربا، كما أنه مطبوع منظما إلى فهرست الشيخ في
كلكتة.
16 - إيضاح التلبيس من كلام الرئيس - قال في الخلاصة: باحثنا فيه
الشيخ أبا علي بن سينا.
17 - إيضاح مخالفة السنة - وهو يعد من كتب التفاسير لما فيه من تفسير
الآيات وبيان مداليلها - توجد نسخة منه في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي
بطهران.
18 - إيضاح المعضلات من شرح الإشارات - وهو شرح لشرح أستاذه
الخواجة نصير الطوسي على إشارات ابن سينا الموسوم بحل مشكلات الإشارات.
19 - إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد - وهو شرح لكتاب حكمة
العين، للكاتبي القزويني المعروف بدبيران، توجد نسخة منه في مكتبة جامعة
طهران.
20 - الباب الحادي عشر فيما يجب على عامة المكلفين، من معرفة أصول
الدين - ألحقه بمختصر مصباح المتهجد الموسوم بمنهاج الصلاح في اختصار
المصباح، وهو مطبوع مع شرحه للفاضل المقداد السيوري، له شروح بلغت 22
شرحا " كما ذكره صاحب الذريعة.
21 - بسط الإشارات - مجلد، وهو شرح إشارات الشيخ الرئيس ابن سينا.
22 - بسط الكافية - وهو اختصار شرح الكافية في النحو، ذكره العلامة في
الخلاصة.
ترجمة المؤلف 40

23 - تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، وهو كتاب فتوائي في الفقه.
مطبوع وعليه عدة شروح مختلفة لأهل هذه الأعصار، ناهزت الثلاثين شرحا، كما
يوجد عليه شرح أيضا " للعلامة المحقق السيد محسن الأمين العاملي، مطبوع معه.
24 - تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاثة: المنطق، والطبيعي.
والإلهي - مجلد.
25 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية - فتوائي في الفقه - يقع
في أربعة مجلدات، مطبوع كله في مجلد واحد.
قال عنه في الخلاصة: حسن جيد استخرجنا فيه فروعا لم نسبق إليها مع
اختصار. وقال صاحب الذريعة: أحصيت مسائله، فبلغت أربعين ألف مسألة،
وعليه عدة شروح.
26 - تحصيل السداد شرح واجب الاعتقاد. مطبوع.
27 - تحصيل الملخص - ويبدو أنه شرح على ملخص فخر الدين الرازي في
الحكمة والمنطق، ذكره العلامة في جواب مسائل مهنأ بن سنان، وقال: إنه خرج
منه مجلد، ويظهر أنه لم يكمل حتى ذلك الوقت.
28 - تذكرة الفقهاء - قال في الخلاصة: خرج منه إلى النكاح أربعة عشر
جزءا ". وهو مطبوع في مجلد كبير، يعد هذا الكتاب أول موسوعة فقهية زاخرة في
الفقه المقارن، فريدة من نوعها في تاريخ تطور الفقه الإمامي من حيث السعة
والإحاطة والشمول والمقارنة، وتطور مناهج البحث العلمي، وهو بعد هذا وذاك:
يعد مرجعا " لمذهب الإمامية، ولكل المذاهب الإسلامية الأخرى.
29 - تسبيل الأذهان إلى أحكام الإيمان - في الفقه، مجلد
30 - تسليك الأفهام في معرفة الأحكام - في الفقه.
31 - تسليك النفس إلى حضرة القدس - في بيان نكات علم الكلام
ودقائقه. توجد نسخة منه في الخزانة الغروية بالنجف الأشرف
ترجمة المؤلف 41

التعليم الثاني التام - في الحكمة والكلام. يقع في عدة مجلدات،
خرج منه بعضها كما في بعض نسخ الخلاصة.
33 - تلخيص الفهرست للشيخ الطوسي - بحذف الكتب والأسانيد.
34 - تلخيص المرام في معرفة الأحكام - في قواعد الفقه ومسائله.
35 - التناسب بين الأشعرية وفرق السوفسطائية.
36 - تنقيح قواعد الدين المأخوذة عن آل ياسين - عليهم السلام - يقع في عدة أجزاء.
37 - تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول - توجد منه نسخة في المكتبة
الرضوية في مشهد بالطبعة الحجرية من نسخ طهران بتاريخ 1308 ق، وكان
المرحوم الشيخ محمد صالح العلامة الحائري قد أوقفها للمكتبة، وبهامش هذا
الكتاب شرح من السيد عميد الدين، موسوم بمنية اللبيب في شرح التهذيب.
قال في الخلاصة: صنفه باسم ولده فخر المحققين. وهو مطبوع، وكان عليه
مدار التدريس في العراق وجبل عامل قبل المعالم، وعليه شروح وحواش كثيرة
جدا "، ذكرها العلامة الاغا بزرگ في الذريعة.
38 - تهذيب النفس في معرفة المذاهب الخمس.
39 - جامع (مجامع) الأخبار.
40 - جوابات مسائل مهنأ بن سنان المدني الأولى.
41 - جوابات مسائل مهنأ بن سنان المدني الثانية.
42 - جواهر المطالب في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه
السلام.
43 - الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد. وهو مطبوع
44 - حاشية التلخيص - كتبها على تلخيص الأحكام
45 - حاشية على قواعد الأحكام - كتبها على كتابه القواعد.
46 - خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال - رتبه قسمين: الأول: فيمن
ترجمة المؤلف 42

يعتمد عليه، والثاني: فيمن يتوقف فيه. مجلد مطبوع. وقد اعتنى بأقواله كل من
كتب في الرجال، فنقلوها كلها في كتبهم مع أنه يقتصر غالبا " على ما في فهرست
الشيخ ورجال النجاشي، وقد يزيد عنهما
47 - خلاصة الأخبار. قال آية الله المرعشي النجفي: وهو صغير، وعندنا
نسخة منه، كتب بعض العلماء على ظهرها: أنه بعينه خلاصة الأخبار من تآليف
مولانا العلامة.
48 - الدر المكنون في علم القانون - في المنطق
49 - الدر والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان - مجلد، وقيل: يقع
في عشرة أجزاء. وهذا الكتاب والنهج الوضاح والمصابيح واستقصاء الاعتبار ليس
لها عين ولا أثر، ويبدو أنه ضاعت وذهبت بذهاب حوادث الدهر.
50 - الرسالة السعدية - في الكلام - مطبوعة. صنفها في سفره مع السلطان
خدابنده ببلدة جرجان.
51 - رسالة في تحقيق معنى الإيمان، ونقل الأقوال فيه.
52 - رسالة مختصرة في جواب السلطان محمد خدابنده عن حكمة النسخ
في الأحكام الشرعية.
53 - رسالة في جواب سؤالين سأل عنهما رشيد الدين فضل الله الطبيب
الهمداني وزير غازان بن أرغون المغولي، ووزير أخيه محمد خدابنده. موجودة في
مكتبة الشيخ علي المدرس. قال في مقدمتها كما في النسخة التي موجودة عند
الشيخ المدرس:
يقول العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن المطهر:
إنني لما أمرت بالحضور بين يدي الدرگاه (1) المعظمة الممجدي الايلخانية،



[1] كلمة فارسية، معناها: البلاط.
ترجمة المؤلف 43

أيد الله سلطانها، وشيد أركانها، وأعلى على الفرقدين شأنها، وأمدها بالدوام
والخلود، إلى يوم الموعود، وكبت كل عدو لها وحسود، وجدت الدولة القاهرة
مزينة بالمولى الأعظم، والصاحب الكبير المخدوم المعظم، مربي العلماء،
ومقتدى الفضلاء، أفضل المحققين، رئيس المدققين، صاحب النظر الثاقب،
والحدس الصائب، أوحد الزمان، المخصوص بعناية الرحمن، المميز عن غيره من
نوع الإنسان، ترجمان القرآن، الجامع لكمالات النفس، المترقي بكماله إلى
حظيرة القدس، ينبوع الحكمة العملية، وموضع أسرار العلوم الربانية، موضح
المشكلات، ومظهر النكت الغامضات، وزير الممالك شرقا وغربا، وبعدا وقربا،
خواجة رشيد الملة والحق والدين - أعز الله أنصار، وضاعف أقداره، وأيده
بالألطاف، وأمده بالإسعاف - وجدت فضله بحرا لا يساجل، وعلمه لا يقاس
ولا يماثل، وحضرت بعض الليالي خدمته للاستفادة من نتائج قريحته، فسئل تلك
الليلة سؤالين مشكلين، فأجاد في الجواب عنهما، وأوردت في هذه الرسالة تقرير
ما بينه... الخ.
السؤال الأول: أنه من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وآله - أعلى مرتبة من
الوصي، وقد قال: (رب زدني علما ") كما حكاه القرآن الكريم، وقال أمير المؤمنين
- عليه السلام - لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا "؟.
السؤال الثاني: في الجمع بين قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤلون، فوربك
لنسألنهم أجمعين) وقوله تعالى: (يومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان). انتهى ما في
النسخة
قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي جوابا " على هذين السؤالين:
يمكن الجواب عن السؤال الأول: بأن قول أمير المؤمنين - عليه السلام -: (لو
كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا ") معناه: بلوغ أقصى درجات الإيمان بالله تعالى،
وأقصى ما يمكن من معرفة الله تعالى، وقوله - صلى الله عليه وآله -: (رب زدني
ترجمة المؤلف 44

علما ") يدل على أن علمه قابل للزيادة، وهو لا ينافي بلوغه أقصى درجات الإيمان،
وأقصى ما يمكن من معرفة الله تعالى.
وأما الجمع بين ما دل على سؤال العباد يوم القيامة وما دل على عدم
سؤالهم: بأن عدم السؤال عما يصدر منهم في ذلك الموقف، والسؤال: عما صدر
في دار الدنيا.
وقيل: لا يسأل: سؤال استفهام، لأن الله قد أحصى الأعمال، وإنما يسأل
سؤال تقريع.
ورشيد الدين، هو: فضل الله الطبيب الهمذاني وزير غازان خان وأخيه الجايتو
(خدا بنده) محمد خان المغولي. وصاحب الدرگاه المذكور، هو: الجايتو محمد
الذي تشيع على يد العلامة، وكان اجتماعه بهذا الوزير في ذلك السفر الذي حضر
فيه عند الجايتو (1).
54 - رسالة في خلق الأعمال.
55 - رسالة في شرح الكلمات الخمس لأمير المؤمنين - عليه السلام - في
جواب صاحبه كميل بن زياد النخعي. وقد طبعت في ضمن مجموعة بطهران.
56 - رسالة في واجبات الحج وأركانه - من دون ذكر الأدعية والمستحبات
ونحوها.
57 - رسالة في واجبات الوضوء والصلاة - ألفها باسم الوزير (ترمتاش)
ذكرها صاحب الرياض.
58 - شرح الحديث القدسي.
59 - شرح حكمة الإشراق - في الفلسفة، للسهروردي المقتول سنة 587 ق،
وهذا الكتاب غير شرح حكمة العين.



[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 400.
ترجمة المؤلف 45

60 - غاية الأحكام في تصحيح تلخيص المرام - كتبه على كتابه التلخيص
61 - غاية السؤول في شرح مختصر منتهى المأمول
62 - قواعد الأحكام في معرفة مسائل الحلال والحرام - مجلدان، بلغت
مسائله 6600 مسألة شرعية. وهو كثير الشروح والحواشي، منها: شرح السيد عميد
الدين - ابن أخت العلامة - ولولد العلامة: فخر المحققين: إيضاح على كتاب
الفوائد في شرح القواعد.
63 - القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية، لأستاذه الكاتبي المعروف
بدبيران. توجد نسخته بخطه الشريف في الخزانة الرضوية المقدسة.
64 - القواعد والمقاصد - في المنطق والطبيعي والإلهي.
65 - القول (السر) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
66 - كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار - مجلد.
67 - كتاب السلطان.
68 - كشف الحق ونهج الصدق - مطبوع في بغداد - صنفه باسم السلطان
خدابنده، كما صرح العلامة في خطبته، وهو الذي رده الفضل بن روزبهان، ورد
على رد الفضل: القاضي الشهيد نور الله التستري بكتاب أسماه (إحقاق الحق
وإزهاق الباطل) كما رد عليه أيضا: الحجة الحسن المظفر بكتاب أسماه (دلائل
الصدق) وهما مطبوعان.
69 - كشف الخفاء من كتاب الشفاء - في الحكمة - لابن سينا. خرج منه
مجلدات.
70 - كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد.
71 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - لأستاذه الخواجة نصير الدين
الطوسي - في علم الكلام. مطبوع، وله شرح منطقه خاصة أسماه (الجوهر النضيد
في شرح منطق التجريد).
ترجمة المؤلف 46

72 - كشف (حل) المشكلات من كتاب التلويحات - يقع في مجلدين.
73 - كشف المقال في معرفة أحوال الرجال - وهو أكبر من كتابه الخلاصة
ويحيل عليه فيها. وفي إيضاح الاشتباه: لا وجود له - كما ذكر سلفا ".
74 - كشف المكنون من كتاب القانون - وهو اختصار شرح الكافية في
النحو.
75 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين - عليه السلام - مطبوع.
76 - لب الحكمة
77 - المباحث والمعارضات النصيرية.
78 - مبادئ الوصول إلى علم الأصول - مطبوع بتحقيق الأستاذ البقال.
79 - المحاكمات بين شراح الإشارات - ذكره العلامة في المسائل
المهنائية يقع في ثلاثة مجلدات.
80 - مختصر شرح نهج البلاغة - ذكره في الخلاصة، واستظهر غير واحد أنه
مختصر الشرح الكبير لأستاذه ابن ميثم البحراني المتوفى سنة 679 ق.
81 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة. قال عنه في الخلاصة: ذكرنا فيه
خلاف علمائنا خاصة، وحجة كل شخص والترجيح لما نصير إليه.
ويعد هذا الكتاب واحدا " من أفخر الكتب الدراسية التي تستعرض المسائل
الخلافية بين فقهاء الشيعة الإمامية أنفسهم بشكل متفرد، وهو عطاء فقهي علمي
غزير وثري، ولم يصنف بعده كتاب يماثله من حيث السعة والشمولية. يقع في
سبعة مجلدات مطبوعة.
82 - مدارك الأحكام - في الإجازة: يخرج منه الطهارة والصلاة: مجلد،
ومنه أخذ صاحب المدارك اسم الكتابة.
83 - مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق - في المنطق والطبيعي والإلهي -
نسخة المنطق موجودة بمكتبة جامعة طهران، ونسخة الإلهي في مكتبة النصيري
ترجمة المؤلف 47

84 - مرثية الحسين - عليه السلام.
85 - مصابيح الأنوار - قال عنه: ذكرنا فيه كل أحاديث علمائنا، وجعلنا كل
حديث يتعلق بفن في بابه، ورتبنا كل فن على أبواب ابتدأنا فيها بما روي عن
النبي - صلى الله عليه وآله - ثم بما روي عن أمير المؤمنين علي - عليه السلام -
وهكذا.. إلى آخر الأئمة - عليهم السلام.
86 - المطالب العلية في علم العربية - ذكره في الخلاصة.
87 - معارج الفهم في شرح النظم - في الكلام - وهو شرح لكتابه: نظم
البراهين - الآتي ذكره.
88 - المعتمد - في الفقه.
89 - المقاصد الوافية بفوائد القانون والكافية - قال عنه في الخلاصة: جمعنا
فيه بين الجزولية والكافية في النحو، مع تمثيل ما يحتاج إلى المثال.
90 - المقاومات - قال عنه في الخلاصة: باحثنا فيه الحكماء السابقين، وهو
يتم مع تمام عمرنا.
91 - مقصد (مقاصد) الواصلين في معرفة أصول الدين - ذكره في الخلاصة،
وأنه يقع في مجلد - كما في إجازته لمهنأ بن سنان المدني.
92 - المناهج السوية.
93 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب - قال عنه في الخلاصة: لم يعمل
مثله، ذكرنا فيه جميع مذاهب المسلمين في الفقه، ورجحنا ما نعتقده بعد إبطال
حجج من خالفنا فيه، يتم إن شاء الله تعالى عملنا منه إلى هذا التاريخ وهو: شهر
ربيع الآخر سنة 693 ق. سبعة مجلدات مطبوع بالحجري. ومطبوع بالطبع الحديث
بتحقيق قسم الفقه والأصول بمؤسسة البحوث الإسلامية التابعة للروضة الرضوية.
المقدسة، يقوم بتحقيقه أيضا " مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، بقم
ترجمة المؤلف 48

94 - منتهى الوصول إلى علمي الكلام والأصول - ذكره في إجازة السيد مهنأ
بن سنان في عداد كتب أصول الفقه، ولولا ذلك الظن أنه في أصول الدين لذكر
الأصول فيه مع الكلام.
95 - منهاج السلامة إلى معراج الكرامة - في الكلام - ذكره في الخلاصة
96 - منهاج الصلاح في اختصار المصباح - وهو مختصر كتاب (مصباح
المتهجد) للشيخ الطوسي، ألفه بطلب من الوزير محمد بن محمد القوفهدي، ورتبه
على عشرة أبواب ثم ألحق به كتابه الباب الحادي عشر في أصول الدين - كما
بينا سابقا ".
97 - منهاج (تاج) الكرامة في إثبات الإمامة - سماه صاحب كشف الظنون
(منهاج الاستقامة) وهو مطبوع مستقلا على هامش بعض طبقات كتاب الألفين،
صنفه باسم السلطان خدابنده، وهو الذي رد عليه ابن تيمية بكتاب أسماه (منهاج
السنة) ورد على منهاج السنة: السيد محمد مهدي القزويني بكتاب أسماه:
(منهج الشريعة) وهو مطبوع في مجلدين.
98 - منهاج الهداية ومعراج الدراية - في علم الكلام.
99 - منهاج اليقين في أصول الدين - عليه شرح لابن العتائقي، موجود في
الخزانة الغروية الشريفة، أسماه: (الإيضاح والتبيين).
100 - المنهاج في مناسك الحاج.
101 - نظم البراهين في أصول الدين - ذكره في الخلاصة، وللمصنف نفسه
شرح عليه - تقدم ذكره.
102 - النكت البديعة في تحرير الذريعة - للسيد المرتضى، في أصول
الفقه. ذكره العلامة في الخلاصة.
103 - نهاية الأحكام في معرفة الحلال والحرام - توجد نسخة من أوله إلى
ترجمة المؤلف 49

كتاب البيع في مكتبة الإمام الحكيم العامة بالنجف الأشرف بتاريخ 859 ق.
104 - نهاية الفقهاء. ذكره العلامة المجلسي الثاني وعده من كتبه.
105 - نهاية المرام في علم الكلام - يقع في أربعة أجزاء، ذكره في إجازته
المهنائية.
106 - نهاية الوصول إلى علم الأصول - يقع في أربعة مجلدات
107 - نهج الإيمان في تفسير القرآن. قال عنه في الخلاصة: ذكرنا فيه
ملخص الكشاف والتبيان وغيرهما.
108 - نهج العرفان في علم الميزان - في المنطق - مجلد.
109 - نهج المسترشدين في أصول الدين - مطبوع مع شرحه للفاضل المقداد
السيوري.
110 - نهج الوصول إلى علم الأصول.
111 - النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح.
112 - النور المشرق في علم المنطق.
113 - الهادي.
114 - واجب الاعتقاد على جميع العباد - في الأصول والفروع - وعليه شرح
للفاضل المقداد السيوري، طبع حديثا " بتحقيقنا، وعلى شرح الفاضل شرح اسمه:
نهج السداد إلى شرح واجب الاعتقاد
كتب منسوبة إليه
1 - الأسرار في إمامة الأئمة الأطهار. وهذا بعيد جدا " أن يكون له، لأنه من
تأليفات الحسن الطبرسي، أو أحد العلماء الطبرسيين.
2 - رسائل الدلائل البرهانية في تصحيح الحضرة الغروية.
3 - الكشكول فيما جرى على آل الرسول.
ترجمة المؤلف 50

قال العلامة السيد محسن الأمين: أما نسبة الكشكول إليه، فهو سهو ظاهر،
فإنه ليس البتة من مصنفاته:
أما أولا: فلأن سياقه ليس على سياق مؤلفاته كما لا يخفى على من
تفحصها وتأمل فيها.
وأما ثانيا: فلأن في أول هذا أورد تاريخ التأليف وقال: إنه في سنة
735 ق، فهو بعد وفاة العلامة بعشر سنين تقريبا "، لأن وفاته سنة 726 ق.
وأما ثالثا: فلأنه من مؤلفات السيد حيدر بن علي العبيدلي الآملي الحسيني
الصوفي الذي وصل إلى خدمة الشيخ فخر الدين ولد العلامة وأضرابه، وصرح
بذلك: القاضي نور الله التستري في مجالس المؤمنين في ترجمة ذلك السيد وغيره
في غيره (1).
ما عيب عليه في التأليف
قال في اللؤلؤة ما حاصله بعد حذف الأسجاع:
كان لاستعجاله في التصنيف وكثرة مؤلفاته يرسم كلما ترجح عنده وقت
التأليف، ولا يراجع ما سبق له فيقع منه تخالف بين الفتاوى، ولذلك طعن عليه
بعض المتحذلقين الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وجعلوا ذلك
طعنا " في أصل الاجتهاد، وهو خروج عن مذهب الصواب والسداد، وإن غلط بعض
المجتهدين - على تقدير تسليمه - لا يستلزم بطلان أصل الاجتهاد متى ما كان مبنيا "
على دليل الكتاب والسنة. انتهى.
وتعليقا " على هذا، قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي:
مخالفة العلماء فتاواهم السابقة في كتبهم بتجدد اجتهادهم خارج عن حد



[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 407.
ترجمة المؤلف 51

الحصر، وقد جعل له العلماء بحثا " خاصا " في باب الاجتهاد والتقليد. وليس العلامة
أول من وقع منه ذلك (1).
قصة تشيع السلطان خدابنده
ذكر العلامة المجلسي الأول في شرح الفقيه: أن السلطان الجايتو محمد
المغولي الملقب بشاه خدابنده (2) غضب على إحدى زوجاته فقال لها: أنت طالق
ثلاثا "، ثم ندم، فسأل العلماء، فقالوا: لا بد من المحلل، فقال: لكم في كل
مسألة أقوال، فهل يوجد هنا اختلاف؟ فقالوا: لا، فقال أحد وزرائه: في الحلة
عالم يفتي ببطلان هذا الطلاق، فقال العلماء: إن مذهبه باطل ولا عقل له
ولا لأصحابه، ولا يليق بالملك أن يبعث إلى مثله، فقال الملك: أمهلوا حتى
يحضر ونرى كلامه، فبعث، فأحضر العلامة الحلي، فلما حضر جمع له الملك
جميع علماء المذاهب، فلما دخل على الملك أخذ نعله بيده ودخل وسلم وجلس
إلى جانب الملك، فقالوا للملك: ألم نقل لك إنهم ضعفاء العقول؟ فقال: اسألوه
عن كل ما فعل.
فقالوا: لماذا لم تخضع للملك بهيئة الركوع؟
فقال: لأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - لم يكن يركع له أحد، وكان يسلم
عليه، وقال الله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتا " فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله
مباركة) ولا يجوز الركوع والسجود لغير الله.
قالوا: فلم جلست بجنب الملك؟
قال: لأنه لم يكن مكان خال غيره.



[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 403.
[2] ذكره هكذا: (خربندا) وسيأتي بيان خطئه.
ترجمة المؤلف 52

قالوا: فلم أخذت نعليك بيدك وهو مناف للأدب؟
قال: خفت أن يسرقه بعض أهل المذاهب، كما سرقوا نعل رسول الله - صلى
الله عليه وآله.
فقالوا: إن أهل المذاهب لم يكونوا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله،
بل ولدوا بعد المائة فما فوق من وفاته - صلى الله عليه وآله - كل هذا والترجمان
يترجم للملك كلما يقوله العلامة.
فقال العلامة للملك: قد سمعت اعترافهم هذا، فمن أين حصروا الاجتهاد
فيهم ولم يجوزوا الأخذ من غيرهم ولو فرض أنه أعلم؟!
فقال الملك: ألم يكن أحد من أصحاب المذاهب في زمن النبي - صلى الله
عليه وآله - ولا الصحابة؟
قالوا: لا.
قال العلامة: ونحن نأخذ مذهبنا عن علي بن أبي طالب نفس رسول الله
- صلى الله عليه وآله - وأخيه، وابن عمه، ووصيه، وعن أولاده من بعده. فسأله عن
الطلاق، فقال العلامة: باطل، لعدم وجود الشهود العدول.
وجرى البحث بينه وبين العلماء حتى ألزمهم جميعا "، فتشيع الملك وخطب
بأسماء الأئمة الاثني عشر في جميع بلاده، وأمر فضربت السكة بأسمائهم وأمر
بكتابتها على المساجد والمشاهد
قال المجلسي: والموجود بأصبهان في الجامع القديم في ثلاثة موضع بتاريخ
ذلك الزمان، وفي معبد (بيرمكران لنجان) ومعبد (الشيخ نور الدين النطنزي) من
العرفاء وعلى منارة دار السيادة التي تممها السلطان المذكور بعدما ابتدأ بها أخوه
غازان.
وكان من جملة القائمين بمناظرة العلامة: الشيخ نظام الدين عبد الملك
المراغي - أفضل علماء الشافعية - فاعترف المراغي بفضله، كما عن تاريخ الحافظ
ترجمة المؤلف 53

(أبرو) من علماء السنة وغيره.
من هو السلطان؟
هو السلطان المؤيد غياث الدين الجايتو محمد المشتهر ب‌ (خدابنده) ابن
أرغون شاه ابن أباقا خان ابن هولاكوخان بن قولوي خان بن چنگيزخان، الملك
المغولي الشهير.
كان خدابنده من أعدل الملوك وأرأفهم وأبرهم للرعية، ذا شوكة ونجدة وعلو
همة، وحلم ووقار، وسكينة وسلامة نفس، وسخاء وكرم وسؤدد، وفقه الله
للاستبصار، وانتقل إلى مذهب التشيع باختياره بعد ملاحظة أدلة الطرفين، وكان
استبصاره ببركة العلامة الحلي.
قال المؤرخ الجليل معين الدين النطنزي في كتابه (منتخب التواريخ):
إن السلطان محمد خدابنده الجايتو: كان ذا صفات جليلة، وخصال حميدة،
لم يقترف طيلة عمره فجورا وفسقا، وكان أكثر معاشرته ومؤانسته مع الفقهاء والزهاد
والسادة والأشراف، مصر بلدة السلطانية وبنى فيها تربة لنفسه ذات قبة سامية
عجيبة، وعينها مدفنا له، وفقه الله لتأسيس صدقات جارية، منها: أنه بنى ألف
دار من بقاع الخير والمستشفيات ودور الحديث ودور الضيافة ودور السيادة
والمدارس والمساجد والخانقاهات بحيث أراح الحاضر والمسافر، وكان زمانه من
خير الأزمنة لأهل الفضل والتقى، ملك الممالك، وحكم عليها ست عشرة سنة،
وكان من بلاد العجم إلى إسكندرية مصر، وإلى ما وراء النهر تحت سلطته، توفي
سنة 717 أو 719 ق، ودفن بمقبرته التي أعدها قبل موته في بلدة (سلطانية).
وقال العلم النسابة المرعشي النجفي في ترجمة السلطان خدابنده:
إن لهذا الملك الجليل عدة بنين وبنات، أشهرهم ابنه السلطان أبو سعيد، وله
ولإخوته عقب متسلسل وذرية مباركة، فيهم: الفقهاء والأمراء والشعراء، وأرباب
ترجمة المؤلف 54

الفضل والحجى والورع والتقى.
ثم قال: ولا يذهب عليك أنه بعدما اختار التشيع، لقب نفسه ب‌ (خدابنده)
وبعض المتعصبين من العامة كابن حجر العسقلاني وغيره، غيروا ذاك اللقب
الشريف إلى (خربنده (1) وذلك لحميتهم الجاهلية الباردة، ومن الواضح لدى
العقلاء أن صيانة قلم المؤرخ وطهارة لسانه وعفة بيانه ومن البذاءة والفحش من
الشرائط المهمة في قبول نقله والاعتماد عليه والركون إليه، ومن العجب أن بعض
المتأخرين من الخاصة، تبع تعبير القوم عن هذا الملك الجليل، ولم يتأمل أنه
لقب تنابزوا به، وما ذلك إلا لبغض آل الرسول، الداء الدفين في قلوبهم، وتلك
الأحقاد البدرية والحنينية. وإلا، فما ذنب هذا الملك؟ بعد اعترافهم بجلالته
وعدالته، وشهامته ورقة قلبه، وحسن سياسته وتدبيره (2).
مناظرة أخرى
ومن مناظراته أيضا " في نصرة مذهب أهل البيت - عليهم السلام -: تلك التي
كانت بحضرة السلطان الجايتو أيضا " في سنة 708 ق، وكان مائلا " إلى الحنفية ثم
رجع إلى الشافعية بعدما وقع بحضرته مناظرة بين القاضي نظام الدين عبد الملك
الشافعي وعلماء الحنفية، فأفحمهم القاضي ثم تحير هو وأمراؤه فبقوا متذبذبين في
مدة ثلاثة أشهر في تركهن دين الإسلام، وندموا على تركهم دين الآباء بعد ما ورد
عليه ابن صدر جهان الحنفي من بخاري، فوقعت بينه وبين القاضي مناظرة في
جواز نكاح البنت المخلوقة من ماء الزناء، حتى قدم على السلطان السيد تاج الدين
الآوي الإمامي مع جماعة من الشيعة، وناظروا مع القاضي نظام الدين بمحضر



[1] تعني بالفارسية: (عبد الحمار) وكلمة (خدابنده) تعني: (عبد الله)
[2] اللئالئ المتنظمة والدرر الثمينة ص 70، 72.
ترجمة المؤلف 55

السلطان في مباحث كثيرة، فعزم السلطان على الرواح إلى بغداد وزيارة الإمام
أمير المؤمنين - عليه السلام.
فلما ورد رأى بعض ما قوى به دين الشيعة، فعرض السلطان الواقعة على
الأمراء فحرضه عليه من كان منهم في مذهب الشيعة فصدر الأمر بإحضار أئمة
الشيعة، فطلبوا جمال الدين العلامة وولده فخر المحققين، وكان مع العلامة من
تأليفاته: كتاب (نهج الحق وكشف الصدق) وكتاب: (منهاج الكرامة) فأهداهما
إلى السلطان وصار موردا للألطاف، فأمر السلطان قاضي القضاة نظام الدين - أفضل
علماء زمانهم - أن يناظر مع آية الله العلامة، وهيأ مجلسا عظيما مشحونا بالعلماء
والفضلاء، فأثبت العلامة بالبراهين القاطعة والدلائل الساطعة خلافة مولانا
أمير المؤمنين - عليه السلام - بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله - بلا فصل، وأبطل
خلافة الثلاثة بحيث لم يبق للقاضي مجال للمدافعة والإنكار، بل شرع في مدح
العلامة واستحسن أدلته.
قال: غير أنه لما سلك السلف سبلا، فاللازم على الخلف أن يسلكوا سبيلهم
لإلجام العوام، ودفع تفرق كلمة الإسلام، يستر زلاتهم، ويسكت في الظاهر من
الطعن عليهم.
فدخل السلطان وأكثر أمرائه - في ذلك المجلس - في مذهب الإمامية، وأمر
السلطان في تمام ممالكه بتغيير الخطبة وإسقاط أسامي الثلاثة عنها، وبذكر
أسامي أمير المؤمنين - عليه السلام - وسائر الأئمة - عليهم السلام - على المنابر،
وبذكر (حي على خير العمل) في الأذان، وبتغيير السكة ونقش الأسامي
المباركة عليها.
ولما انقضى مجلس المناظرة، خطب العلامة خطبة بليغة شافية، حمد الله
تعالى، وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -
فقال السيد ركن الدين الموصلي وكان ينتظر عثرة منه ولم يعثر عليها: ما الدليل
ترجمة المؤلف 56

على جواز الصلاة على غير الأنبياء؟ فقرأ العلامة: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا
إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) فقال الموصلي: وما
الذي أصاب عليا " وأولاده من المصيبة حتى استوجبوا الصلاة عليهم؟ فذكر
العلامة بعض مصائبهم، ثم قال له: أي مصيبة أعظم عليهم من أن يكون مثلك
تدعي أنك من أولادهم، ثم تسلك سبيل مخالفيهم، وتفضل بعض المنافقين
عليهم، وتزعم أن الكمال في شرذمة من الجهال!
فاستحسنه الحاضرون وضحكوا على السيد المطعون، فأنشد بعض من حضر:
إذا العلوي تابع ناصبيا " * بمذهبه فما هو من أبيه
وكان الكلب خيرا منه طبعا * لأن الكلب طبع أبيه فيه.
وجعل السلطان بعد ذلك السيد تاج الدين محمد الآوي - المتقدم ذكره، وهو
من أقارب السيد الجليل رضي الدين محمد بن محمد الآوي - نقيب الممالك.
أقول: لعل هذه القصة هي التي تشيع بعدها السلطان، فتكون واحدة مع
التي ذكرناها سابقا من حيث المضمون، لأن فيها شبها كبيرا. ومهما يكن
اختلاف في قصة التشيع، فليس يختلف اثنان في أن العلامة المترجم له سبب
تشيعه بعد مناظرة خالدة دارت بمحضر السلطان نفسه.
مكاتبة في مسألة أصولية
حكى البحاثة الكبير الميرزا عبد الله الأصفهاني في كتاب رياض العلماء عن
كتاب لسان الخواص للاغا رضي القزويني:
أن القاضي البيضاوي لما وقف على ما أفاده العلامة الحلي في بحث
الطهارة من القواعد بقوله: ولو تيقنهما - أي: الطهارة والحدث - وشك في
المتأخر، فإن لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهر، وإلا استصحبه.
كتب القاضي بخطه إلى العلامة:
ترجمة المؤلف 57

يا مولانا جمال الدين - أدام الله فواضلك - أنت إمام المجتهدين في علم
الأصول، وقد تقرر في الأصول مسألة إجماعية، هي: أن الاستصحاب حجة ما لم
يظهر دليل على رفعه، ومعه لا يبقى حجة، بل يصير خلافه هو الحجة، لأن خلاف
الظاهر إذا عضده دليل صار هو الحجة وهو ظاهر، والحالة السابقة على حالة الشك
قد انتقض بضده، فإن كان متطهرا " فقد ظهر أنه أحدث حدثا " ينقض تلك الطهارة،
ثم حصل الشك في رفع هذا الحدث، فيعمل على بقاء الحدث بأصالة
الاستصحاب، وبطل الاستصحاب الأول، وإن كان محدثا " فقد ظهر ارتفاع حدثه
بالطهارة المتأخرة عنه، ثم حصل الشك في ناقض هذه الطهارة والأصل فيها
البقاء، وكان الواجب على القانون الكلي الأصولي أن يبقى على ضد ما تقدم.
فأجابه العلامة: وقفت على ما أفاده المولى الإمام العالم - أدام الله فضائله،
وأسبغ عليه فواضله، بل استدل بقياس مركب من منفصلة مانعة الخلو بالمعنى الأعم
عنادية وحمليتين، وتقريره: أنه إن كان في الحالة السابقة متطهرا، فالواقع بعدها:
إما أن يكون الطهارة وهي سابقة على الحدث، أو الحدث الرافع للطهارة الأولى
فيكون الطهارة الثانية بعده، ولا يخلو الأمر منهما، لأنه صدر منه طهارة واحدة رافعة
للحدث في الحالة الثانية وحدث واحد رافع للطهارة، وامتناع الخلو بين أن يكون
السابقة الطهارة الثانية أو الحدث ظاهر، إذ يمتنع أن يكون الطهارة السابقة، وإلا
كانت طهارة عقيب طهارة رافعة للحدث، والتقدير: خلافه، فتعين أن يكون السابق
الحدث، وكلما كان السابق الحدث فالطهارة الثانية، متأخرة عنه، لأن التقدير أنه
لم يصدر عنه إلا طهارة واحدة رافعة للحدث، فإذا امتنع تقدمها على الحدث وجب
تأخرها عنه، وإن كان في الحالة السابقة محدثا "، فعلى هذا التقدير: إما أن يكون
السابق الحدث أو الطهارة، والأول محال وإلا كان حدث عقيب حدث، فلم يكن
رافعا " للطهارة، والتقدير: أن الصادر حدث واحد رافع للطهارة، فتعين أن يكون
ترجمة المؤلف 58

السابق هو الطهارة، والمتأخر هو الحدث، فيكون محدثا ". فقد ثبت بهذا البرهان أن
حكمه في هذه الحالة موافق للحكم في الحالة الأولى بهذا الدليل
لا بالاستصحاب، والعبد إنما قال: استصحبه، أي: عمل بمثل حكمه. انتهى
كلامه. ثم أنفذه إلى شيراز ولما وقف القاضي البيضاوي على هذا الجواب
استحسنه جدا "، وأثنى على العلامة (1).
ولم يكن هذا غريبا " من العلامة المترجم له أن يكون بهذا المستوى من
التظلع والإحاطة، فربما كان من جملة العوامل والأسباب التي جعلته من سادة
هذا الفن وأشياخه، هي:
1 - التربية الأسرية، فقد عرف عنه أنه عاش في بيت يعج بالأعاظم من
العلماء، ومن المتبحرين في علم الأصول من أمثال: خاله المحقق، ووالده
البحاثة، وابن عم والدته الشيخ نجيب الدين وغيرهم.
2 - تلقيه المعارف الأساسية في هذا الفن - إمامية وغير إمامية - من
مصادرها الأصلية على خيرة أساتذتها المبرزين، وذلك بقراءته وسماعه فترة زمنية
طويلة.
3 - ثقافته الموسوعية في بقية نواحي العلوم الحياتية الأخرى، حتى أن
كتبه التي ألفها في هذا المجال زادت على العشرة كتب، - ذكرناها في جملة
مؤلفاته وآثاره العلمية - الأمر الذي مكنه من الاستيعاب والإحاطة بكل ماله صلة
بموضوعة من بحوثها.
4 - احتكا كه المباشر بالوسط العلمي الذي عاصره، والذي كان يضم
مختلف المدارس الفكرية، وبرجالها وعلمائها، خاصة في مدينة الحلة التي
كانت امتدادا " لمدرسة الشيخ الطوسي في بغداد، بعد أن تعرضت الأخيرة للغزو



[1] بحار الأنوار ج. من الطبعة الجديدة، المدخل ص 248، بتصرف.
ترجمة المؤلف 59

البربري الكاسر من قبل المغول.
5 - رحلاته وأسفاره الكثيرة إلى مختلف الحواضر الإسلامية، وبالأخص
تلك التي أملت عليه أن يكون على علم تام بمعارف المذاهب المناظرة له،
خصوصا وأنه كان موفدا إلى مهمة خطيرة جدا وذات أهمية مصيرية، قد يترتب
عليها مستقبله ومستقبل الشيعة الإمامية بصفته مذهبا معاصرا، ومنافسا من قبل
بقية المذاهب الإسلامية الأربعة، ألا وهي المناظرة الخالدة التي دارت في
مجلس السلطان محمد خدابنده الذي كان حنفي المذهب أولا ثم صار
شافعيا.. وأمام طائفة كبيرة جدا من أساطين العلم وفحول الجدل، الوحيد بينهم
في صحة ما يدعي، إذا لم يكن أحد يناصره في مذهبه الإمامي (1).
مدرسته السيارة.
اقترح العلامة بعد مناظرته المعروفة على السلطان محمد خدابنده تأسيس
مدرسة لتربية وإعداد طلاب العلوم الدينية، فرحب السلطان بهذا الاقتراح وأجابه
بالقبول، ولما كانت رغبة السلطان بحضور العلامة بمجالسه المختلفة والاستئناس
به وبتلاميذه حتى في طريقه وسفره، كانت المدرسة هذه مدرسة متنقلة وسميت
(بالمدرسة السيارة (2))، وكانت تضم أكثر من مائة تلميذ وطالب للعلوم، كلهم
مكفول المأكول والمشرب والملبس والمنام وجميع ما يحتاجون إليه، وكان يدرس
فيها مختلف العلوم وفي شتى الميادين الثقافية بما في ذلك علوم: الكلام،
وأصول الدين، والفقه، والأصول، والحديث، والتاريخ، والدراية، والفلسفة،
والمنطق، والطبيعة والرياضيات، وعلم النفس والتربية، وآداب البحث والاحتجاج



[1] استفدنا هذه النكات الخمس من مقدمة مبادئ الوصول، بتصرف تام.
[2] يدل على هذه التسمية: ما وجد في آخر بعض مؤلفاته، أنه وقع الفراغ منه في المدرسة السيارة
السلطانية في كرمانشاهان.
ترجمة المؤلف 60

وقواعد الجدل والمناظرة، وقد تخرج من هذه المدرسة علماء كثيرون، برعوا
واشتهروا في مختلف الفنون، ذكرنا بعضهم في جملة تلامذته.
وقد ألفت هذه المدرسة، من: أربعة أواوين، ومجموعة غرف مكونة من
الخيام الكرباسية الغليظة، وكان الطلاب يرحلون برحيل السلطان ويقيمون
بإقامته.
رؤيته في المنام.
يحكى: أن ولده رآه في المنام بعد موته، فسأله عن حاله، فقال له: لولا
كتاب الألفين، وزيارة الحسين، لقصمت الفتوى ظهر أبيك نصفين.
وتشبث بهذا المنام بعض العامة فيما حكاه المولى محمد أمين الاسترآبادي
في أواخر الفوائد المدنية، فقال:
إن العلامة الذي هو أفضل علمائكم يقول هكذا، فعلم أن مذهبكم باطل.
وقال: إن أجابه بعض الفضلاء، بأن هذا المنام لنا لا علينا، فإن كتاب
الألفين يشتمل على ألف دليل لإثبات مذهبنا، وألف دليل لا بطال، مذهب غيرنا.
كما تشبث بهذا المنام الملا محمد أمين الاسترآبادي الأخباري المذكور في
فوائده. بحمل ذلك المنام على تأليف العلامة في أصول الفقه الذي لا يرتضيه
الأخبارية.
ونحن نقول: إن هذا المنام مختلق مكذوب على العلامة، وإمارة ذلك: ما فيه
من التسجيع، مع أن العلامة إما مأجور أو معذور، وتأليفه في علم أصول الفقه من
أفضل أعماله. ولا يستند إلى المنامات إلا ضعفاء العقول أو من يروجون بها نحلهم
وأهواءهم (1).



[1] أعيان الشيعة ج 5 ص 400.
ترجمة المؤلف 61

وصاياه الأخلاقية
وللعلامة - رحمه الله - وصايا أخلاقية كثيرة، نذكر منها اثنتين: الأولى:
الوصية التي أوردها في آخر كتابه القواعد، والثانية: التي أوصى بها ولده محمد
عندما كان مشغولا بإتمام كتاب والده الألفين في إمامة أمير المؤمنين - عليه
السلام -، الذي ظل ناقصا " بسبب وفاة العلامة، أما الأولى، قال فيها لابنه فخر
المحققين:
اعلم يا بني أعانك الله على طاعته، ووفقك لفعل الخير وملازمته، وأرشدك
إلى ما يحبه ويرضاه، وبلغك من الخير ما تأمله وتتمناه، وأسعدك في الدارين،
وحباك بكل ما تقربه العين، ومد لك في العمر السعيد والعيش الرغيد، وختم
أعمالك بالصالحات، ورزقك أسباب السعادات، وأفاض عليك من عظائم
البركات، ووقاك الله كل محذور، ودفع عنك الشرور.
إني قد لخصت لك في هذا الكتاب لب فتاوى الأحكام، وبينت لك فيه
قواعد شرائع الإسلام، بألفاظ مختصرة، وعبارة محررة، وأوضحت لك فيه نهج
الرشاد وطريق السداد، وذلك بعد أن بلغت من العمر الخمسين، ودخلت في عشر
الستين، وقد حكم سيد البرايا، بأنها مبدأ اعتراك المنايا، فإن حكم الله تعالى
علي فيها بأمره، وقضى فيها بقدره، وأنفذ ما حكم به على العباد، الحاضر منهم
والباد
فإني أوصيك كما افترض الله تعالى علي من الوصية، وأمرني به حين إدراك
المنية، بملازمة تقوى الله تعالى، فإنها السنة القائمة، والفريضة اللازمة، والجنة
الواقية، والعدة الباقية، وأنفع ما أعده الإنسان ليوم تشخص فيه الأبصار، ويعدم عنه
الأنصار.
عليك باتباع أوامر الله تعالى، وفعل ما يرضيه، واجتناب ما يكرهه، والانزجار
ترجمة المؤلف 62

عن نواهيه، وقطع زمانك في تحصيل الكمالات النفسانية، وصرف أوقاتك في
اقتناء الفضائل العلمية، والارتقاء عن حضيض النقصان إلى ذروة الكمال،
والارتفاع إلى أوج العرفان عن مهبط الجهال، وبذل المعروف، ومساعدة الإخوان،
ومقابلة المسئ بالإحسان، والمحسن بالامتنان، وإياك ومصاحبة الأرذال، ومعاشرة
الجهال، فإنها تفيد خلقا ذميما، وملكة ردية، بل عليك بملازمة العلماء،
ومجالسة الفضلاء، فإنها تفيد استعدادا تاما لتحصيل الكمالات، وتثمر لك ملكة
راسخة لاستنباط المجهولات، وليكن يومك خيرا من أمسك، وعليك بالتوكل
والصبر والرضاء، وحاسب نفسك في كل يوم وليلة، وأكثر من الاستغفار لربك،
واتق دعاء المظلوم، خصوصا اليتامى والعجائز، فإن الله تعالى لا يسامح بكسر
كسير، وعليك الصلاة الليل، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله - حث عليها،
وندب إليها، وقال: (من ختم له بقيام الليل ثم مات فله الجنة).
وعليك بصلة الرحم فإنها تزيد في العمر، وعليك بحسن الخلق، فإن رسول الله
- صلى الله عليه وآله - قال: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم).
وعليك بصلة الذريعة العلوية، فإن الله تعالى قد أكد الوصية فيهم، وجعل
مودتهم أجر الرسالة والإرشاد فقال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في
القربى) وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف
ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند
المضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا
طردوا وشردوا) وقال الصادق - عليه السلام -: (إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أيها
الخلائق أنصتوا فإن محمدا يكلمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبي - صلى الله عليه
وآله - فيقول: يا معشر الخلائق، من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى
أكافيه، فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا، وأي يد وأي منة وأي معروف لنا؟ بل اليد والمنة
والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق؟! فيقول: بلى من آوى أحدا من أهل بيتي
ترجمة المؤلف 63

أو برهم أو كساهم من عري أو أشبع جائعهم، فليقم حتى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا
ذلك، فيأتي النداء من عند الله: يا محمد، يا حبيبي، قد جعلت مكافأتهم إليك
فأسكنهم من الجنة حيث شئت، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد
- صلى الله عليه وآله - وأهل بيته - صلوات الله عليهم).
وعليك بتعظيم الفقهاء، وتكريم العلماء، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله -
قال: (من أكرم فقيها " مسلما "، لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عنه راض، ومن أهان
فقيها " مسلما "، لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان).
وجعل النظر إلى وجه العلماء عبادة، والنظر إلى باب العالم عبادة،
ومجالسة العلماء عبادة.
وعليك بكثرة الاجتهاد في ازدياد العلم والفقه في الدين، فإن أمير المؤمنين
- عليه السلام - قال لولده: (تفقه في الدين، فإن الفقهاء ورثة الأنبياء، وأن طالب
العلم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الطير في جو السماء،
والحوت في البحر، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به).
وإياك وكتمان العلم ومنعه عن المستحقين لبذله، فإن الله تعالى يقول: (إن
الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك
يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر
العالم علمه، فمن لم يفعل، فعليه لعنة الله).
وقال - صلى الله عليه وآله -: (لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها
أهلها فتظلموهم).
وعليك بتلاوة القرآن العزيز، والتفكر في معانيه، وامتثال أوامره ونواهيه،
وتتبع الأخبار النبوية، والآثار المحمدية، والبحث عن معانيها، واستقصاء النظر
فيها، وقد وضعت لك كتبا " متعددة في ذلك كله.
ترجمة المؤلف 64

هذا ما يرجع إليك، وأما ما يرجع إلي ويعود نفعه علي: فإن تتعهدي بالترحم
في بعض الأوقات، وأن تهدي علي ثواب بعض الطاعات، ولا تقلل من ذكري،
فينسبك أهل الوفاء إلى الغدر، ولا تكثر من ذكري، فينسبك أهل العزم إلى
العجز، بل اذكرني في خلواتك وعقيب صلواتك، واقض ما علي من الديون
الواجبة، والتعهدات اللازمة، وزر قبري بقدر الإمكان، واقرأ عليه شيئا " من القرآن،
وكل كتاب صنفته وحكم الله تعالى بأمره قبل إتمامه، فأكمله، وأصلح ما تجده
من الخلل والنقصان، والخطأ والنسيان.
هذه وصيتي إليك، والله خليفتي عليك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وأما الثانية: فهي التي نقلها ولده فخر المحققين محمد في كتاب الألفين،
قال:
يقول محمد بن الحسن بن المطهر حيث وصل في ترتيب هذا الكتاب وتبيينه
إلى هذا الدليل.. خطر لي أن هذا خطابي لا يصلح في المسائل البرهانية،
فتوقفت في كتابته، فرأيت والدي عليه الرحمة تلك الليلة في المنام وقد سلاني
السلوان، وصالحني الأحزان، فبكيت بكاءا شديدا وشكيت إليه من قلة المساعد
وكثرة المعاند، وهجر الإخوان، وكثرة العدوان، وتواتر الكذب والبهتان، حتى
أوجب ذلك لي جلاءا عن الأوطان، والهرب إلى أراضي آذربايجان، فقال لي:
اقطع خطابك فقد قطعت نياط قلبي، وقد سلمتك إلى الله، فهو سند من
لا سند له، وجاز في المسئ بالإحسان، فلك ملك عالم عادل قادر لا يهمل مثقال
ذرة، وعوض الآخرة أحب إليك من عوض الدنيا، ومن أجرته إلى الآخرة فهو أحسن
وأنت أكسب، ألا ترضى بوصول أعواض لم تتعب فيها أعضاؤك، ولم تكل بها
قواك، والله لو علم الظالم والمظلوم بخسارة التجارة وربحها لكان الظلم عند
المظلوم مترجى، وعند الظالم متوقى، دع المبالغة في الحزن علي، فإني قد بلغت
من المنى أقصاها، ومن الدرجات أعلاها، ومن الغرف ذراها، وأقلل من البكاء،
ترجمة المؤلف 65

فأنا مبالغ لك في الدعاء (1). ثم سأله ابنه عن الدليل وأجابه عليه، فثبته بما أفاده
العلامة.
وإلى جانب هاتين الوصيتين الرفيعتين، هناك وصايا له كثيرة، ذكرها في
ذيل الإجازات الشريفة لتلاميذه ومن رووا عنه.
مناقبه
وله - رحمه الله - مناقب كثيرة، نذكر منها واحدة فقط، رواها المحدث القمي
- قدس سره - في السفينة، قال:
ذكر القاضي في المجالس، وبعض فضلاء عصر الشيخ البهائي في كشكوله
حكاية له، بهذا اللفظ:
قيل: إنه كان يطلب من بعض الأفاضل كتابا لينسخه وكان يأبى عليه وكان
كتابا كبيرا جدا، فاتفق أنه أخذه منه مشترطا بأنه لا يبقى عنده غير ليلة واحدة،
وهذا الكتاب لا يمكن نسخه إلا في ستة أو أكثر، فأتى به الشيخ رحمه الله وشرع
في كتابته في تلك الليلة، فكتب منه صفحات ومل، وإذا برجل يدخل عليه من
الباب بصفة أهل الحجار، فسلم وجلس، ثم قال: أيها الشيخ تمسطر لي الأوراق
وأنا أكتب، فكان الشيخ يمسطر له الأوراق وذلك الرجل يكتب، وكان لا يلحق
الممسطر بسرعة كتابته، فلما نقر ديك الصباح وصاح إذا الكتاب بأسره مكتوب
تماما ".
وقيل: إن العلامة - رحمه الله - لما مل الكتابة، فرأى الكتاب مكتوبا "،
وصرح في المجالس بأنه كان هو الحجة - عليه السلام - (2).



[1] الألفين ص 127.
[2] سفينة البحار ج 2 ص 228.
ترجمة المؤلف 66

أعقابه
خلف - رحمه الله - عدة أولاد ذكورا وإناثا، أرباب الفضل ورباته، أشهرهم
وأجلهم: الشيخ الإمام الهمام القدوة فخر الإسلام محمد - صاحب كتاب إيضاح
القواعد - المتوفى سنة 771 ق.
ثم إنه - قدس سره - من على من بعده من المستفيدين بإقدامه على شرح
كتب المتقدمين والتعليقة عليها، سيما مصنفات أستاذه في العلوم العقلية، بحيث
قال أستاذه المذكور في حقه على ما في بعض المجاميع المخطوطة ما لفظه:
لو لم يكن هذا الشاب العربي، لكانت كتبي ومقالاتي في العلوم كبخاتي
خراسان، غير ممكنة من السلطة عليها.
وينقل عن شيخه وخاله المحقق، أنه وصفه بما يقرب من هذا بالنسبة إلى
كتبه الفقهية والأصولية (1).
أشعاره
قال العلامة المجلسي في البحار:
قد سمعت من صاحب الرياض أنه وصفه بالشاعر الماهر، ولم نجد له في
كتب التراجم شعرا غير ما ذكره صاحب الروضات، قال:
اتفق لي العثور في هذه الأواخر على مجموعة من ذخائر أهل الاعتبار،
ولطائف آثار فضلاء الأدوار، فيها نسبة هذه الأشعار الأبكار إليه:
ليس في كل ساعة أنا محتاج * ولا أنت قادر أن تنيلا
فاغتنم حاجتي ويسرك فاحرز * فرصة تسترق فيها الخليلا



[1] اللئالئ المنتظمة والدرر الثمينة ص 62.
ترجمة المؤلف 67

وقال: وله أيضا ": ما كتبه إلى العلامة الطوسي مسترخصا للسفر إلى العراق
من السلطانية:
محبتي تقتضي مقامي * وحالتي تقتضي الرحيلا
هذان خصمان لست أقضي * بينهما خوف أن أميلا
ولا يزالان في اختصام * حتى نرى رأيك الجميلا
وكتب إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية - كما مر بنا - بعد ما بلغه أنه رد على
كتابه في الإمامة، ووصل إليه كتابه أبياتا " أولها:
لو كنت تعلم كل ما علم الورى * طرا لصرت صديق كل العالم
لكن جهلت فقلت إن جميع من * يهوى خلاف هواك ليس بعالم (1).
وفاته ومدفنه
وتوفي - رحمه الله - في مدينته (الحلة المزيدية) يوم السبت، الحادي
والعشرين من محرم الحرام سنة 726 ق، فيكون عمره الشريف 78 عاما " وأربعة
أشهر وتسعة أيام.
ونقل إلى الحضرة الحيدرية - على صاحبها آلاف التحية والسلام - فدفن في
حجرة عن يمين الداخل إلى الحرم الغروي من جهة الشمال، وقبره ظاهر معروف
مزور إلى اليوم، ويقابله قبر المحقق الأردبيلي، فأكرم بهما من بوابين لتلك القبة
السامقة، والروضة الربانية الشريفة.
صفاء الدين البصري
مشهد المقدسة 1414 ق



[1] بحار الأنوار ج. (المدخل) ص 248 من الطبعة الجديدة.
ترجمة المؤلف 68



نام کتاب : منتهى المطلب - ط الجديدة نویسنده : العلامة الحلي    جلد : 3  صفحه : 0
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست