قلنا : لا نسلّم
أنّ عدم الحكم بحصول شيء من الأمرين حكم بالبطلان ، فإنّ الصحة في العبادات هي
موافقة المأمور به ، وهي حاصلة قطعا ، ولا يلزم من عدم تعيّن ما يستتبعه خروجه عن
موافقة المأمور به ، أو خروج الصحة عن كونه موافقة المأمور به ، فإنّ الصحة أمر
وتعيّن ما يستتبعه ( أو نفس الاستتباع ) [١] أمر آخر ، والأوّل يتحقق بالموافقة ، والثاني إمّا بقصد
المستتبع أوّلا نظرا إلى مثل قوله عليهالسلام : « لكل امرئ ما نوى » و : « إنّما الأعمال بالنيات » أو
بالإتيان بالفعلين معا ، ولا يلزم من عدم قصد المعيّن أوّلا البطلان وإن لزم عدم
ترتب التوابع.
وتظهر الثمرة فيما
لو فعل الآخر أيضا بلا قصد ، فعلى البطلان لا يترتب عليهما شيء من التوابع ، وعلى
ما ذكرنا يترتب التابعان ، وذلك كما إذا استسلف زيد من كل من عمرو وبكر غنما ،
ورهن كل منهما متاعا عنده لما استسلف ، فوكّلا خالدا في إعطاء الغنم بعد حلول
الأجل ، فأعطى غنما بلا قصد تعيين أنّه من عمرو أو بكر ، فإنّه لا يترتب عليه فك
رهانة أحدهما ولا يستتبع أثرا ، بل هو موقوف إمّا على القصد أوّلا ، أو إعطاء
الغنم الآخر أيضا. وكذا إذا فعل المأمور أحد الفعلين مع قصد المعيّن ونسيه ، فإنّه
لا يحكم بالبطلان ولا يترتب شيء من آثار أحدهما ، كمن عليه صوم نذر وكفارة فصام
يوما بقصد معيّن ونسيه ، فيحكم بمقتضى الأصل بعدم سقوط شيء منهما ، مع أن صومه
صحيح.
والقول بأنّه سقط
أحدهما واقعا ، ولكن لم يسقط ظاهرا ، للأصل ، كلام خال عن التحقيق ، إذ لا واقع في
حقّ المكلّف إلاّ حكمه الظاهري كما بيّنا في الأصول.