والكلام فيه إما
في سبب الجنابة ، أو أحكام الجنب ، أو غاية غسلها ، أو واجباته ، أو آدابه ، أو
أحكامه ، ففيه أبحاث :
البحث الأوّل : في سببها ، وهو أمران :
الأمر
الأوّل : خروج المني. ولا بدّ أولا من بيان أنّ حقيقة المني هل هو الماء المسبوق
بالشهوة المقارن للتلذّذ المعقب للفتور؟ بأن تكون تلك الأوصاف أجزاء حقيقته أو من
لوازم ذاته ، كما صرّح بعض العامة [١] ، وسمعته من بعض أرباب المعقول قال : إنّ المني إنّما
يتكوّن في الأنثيين حال التلذّذ لأجله فيدفع ، ويشعر به كلام بعض فقهائنا
المتأخّرين أيضا [٢] ، تمسّكا بالوجدان وبالأخبار النافية للغسل مع انتفائها.
أو هو حقيقة معيّنة خارجة عنها تلك الأوصاف غير لازمة لها وإن كانت معروضة لها
غالبا؟ كما هو الظاهر من كلام الأكثر ، لما دلّ على إمكان العلم بكون الخارج منيا
بدون العلم بتلك الأوصاف ، كالأخبار الواردة فيمن وجد [٣] المني في ثوبه
ولم ير أنه احتلم ، ولما دلّ على وجوب الغسل بخروج [٤] الماء المشتبه
بعد الغسل وقبل الاستبراء مع فقده تلك الأوصاف. أو لا يعلم شيء من الأمرين؟
فيتوقّف ، لضعف متمسّك القولين.
أمّا الأوّل من
الأوّل : فلأن المسلّم من الوجدان أنّ ما جمع الأوصاف مني ،
[١] نقل ابن قدامة
في المغني ١ : ٢٣٠ عن أبي حنيفة ومالك واحمد أن الموجب للغسل خروج المني : وهو
الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عن اشتداد الشهوة.