وظائف القضاة
والحكام ، ومنها الحكم بالهلال ، فإنه لا ينبغي التوقف عن الجزم بأنه من وظائفهم
التي كانوا يتولونها ، فإنه لم يكن بناء المسلمين في عصر صدور هذه النصوص وغيره
على الاقتصار في الصوم والإفطار على الطرق السابقة ، أعني : الرؤية ، والبينة ،
فمن قام عنده بعض تلك الطرق أفطر مثلا ، ومن لم يقم عنده شيء منها بقي على صومه ،
بل كانوا يرجعون إلى ولاة الأمر ، من الحكام ، أو القضاة ، فاذا حكموا أفطروا
بمجرد الحكم. وأقل سبر وتأمل كاف في وضوح ذلك ، كيف! ولولاه لزم الهرج والمرج.
ويشير إلى ذلك :
صحيح محمد بن قيس المتقدم ، والمرسل المتضمن شهادة الأعرابي برؤية الهلالو أمر
النبي (ص) منادياً ينادي : « من لم يأكل فليصم.
ومن أكل فليمسك » المتقدم في تأخير
النية إلى ما قبل الزوال للمعذور [١] وخبر أبي الجارود : «
الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس » [٢]المتقدم في
استعمال المفطر تقية ، وما تضمن قول
الصادق (ع) لأبي العباس : « ما صومي إلا بصومك
، ولا إفطاري إلا بإفطارك » [٣]ونحوها.
والظاهر أنه لا
فرق في ذلك بين أن يكون مستند الحكم البينة أو الشياع العلمي ، وبين أن يكون علم
الحاكم بنفسه ، بناء على جواز حكمه بعلمه ـ كما هو الظاهر ـ حسب ما تحقق في محله
من كتاب القضاء ، فإنه إذا صح له الحكم به وجب ترتيب الأثر عليه ، لما دل على وجوب
قبوله ، وحرمة رده. فالتردد فيه ـ كما عن المدارك ـ غير ظاهر.