ثمّ لو سلّمنا عدم ثبوت الإجماع على الكلّية، كفى في المسألة ما دلّ على أنّه يجب المعاملة مع المخالف معاملة المسلمين المؤمنين في الأُمور المتعلّقة بالمعاشرة [1] التي من أهمّها أن لا يعامل مع موتاهم معاملة الكلاب، و هذا واضح لمن لاحظ تلك الروايات.
ثمّ إنّ إيجاب هذه المعاملة، إمّا من جهة المداراة معهم لدفع شرّهم أو لجلب قلوبهم إلى الإيمان، كما قال (عليه السلام): «كونوا دعاةً إلينا بغير ألسنتكم» [2] و إمّا من جهة احترام موتاهم؛ لتلبّسهم بصورة المسلم، و إمّا تعبّدٌ من جهة الإجماع.
و على أيّ تقدير، فالواجب تغسيلهم على الوجه المقرّر عندهم؛ إذ به يحصل المداراة و الاستمالة و به يحصل احترامهم؛ لأنّ احترام كلّ ملّة إنّما هو بما يكون احتراماً عندهم، و تغسيلهم غسل أهل الحقّ ليس كذلك. نعم، هو احترام عندنا من جهة أنّه إيصال خير و نفع أُخرويّ إليهم، لكنّه غير مطلوب للشارع، و كيف يطلب إيصال النفع الأُخرويّ إلى من طُلب لعنه و الدعاء عليه بتضعيف العذاب حيّاً و ميّتاً، و جعله من أفضل الأعمال؟! و ممّا ذكرنا ظهر الوجه فيما حكاه المحقّق الثاني في حاشية الشرائع عن ظاهر الأصحاب: أنّ الواجب هو تغسيلهم غسل أهل الخلاف [3].
[1] راجع الوسائل 8: 398، الباب الأوّل من أبواب أحكام العشرة.
[2] لم نعثر عليه بعينه، نعم، في الوسائل 8: 513، الباب 108 من أبواب أحكام العشرة، الحديث الأوّل، و فيه: «كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ..»، و المستدرك 12: 206، الباب 9 من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 11، و فيه: «كونوا دعاة إلينا بالكفّ عن محارم اللّه ..».