باللفظ إما لا يحصل رأسا أو يحصل مطلقا، فوقوع الايجاد معلقا مرجعه إلى التناقض، فكلام القوم ومحط النزاع التعليق في المنشأ لا الانشاء. ونحن قد فرغنا عن الجواب عنها في الواجب المشروط، وقلنا بامكان التعليق في المعاني الحرفية، وكذا إمكان تعليق الجزئيات وتقييدها، وأما الوجه الثالث الذي تشبث به بعض أعاظم العصر رحمه الله وزعم أن النزاع في تعليق المنشأ لا الانشاء، ففيه أن قياس الايجاد الاعتباري بالتكويني مع الفارق، ولا يلزم من امتناع التعليق في التكوين امتناعه في التشريع وعالم الاعتبار، فإذا قال: إن جاءك زيد فاضربه يكون القيد قيد الهيئة لا المادة، والبعث الاعتباري معلق على مجيئه، فما لم يجئ لا بعث بالضرروة، وفي ظرف تحقق المجئ يتحقق البعث الاعتباري، وبالجملة قبل حصول المعلق عليه لا إيجاب ولا وجوب، وانما يتحققان بعد تحققه. والانشاء غير التلفظ بالالفاظ الموقعة له، والتلفظ من التكوين - ولا يعقل تعليقه - بخلاف الانشاء والايقاع الذي هو أمر اعتباري نظير الايجاب والتلفظ بلفظ دال عليه، ولعل القائل رحمه الله تعالى خلط بينهما فوقع فيما وقع، وقوله: " يلزم منه التناقض " غير وجيه، لانه انما يلزم لو كان الايجاد وعدمه بالفعل، لكن في الواجب المشروط يكون الانشاء مشروطا ولازم اشتراطه تحقق الايجاب والوجوب بعد الشرط، وكذلك الحال في إنشاء البيع، فإذا قال: " إن طلعت الشمس بعتك هذا بهذا " جعل إيقاع البيع مشروطا بتحقق طلوعها، فالايجاد الاعتباري مشروط، وفرق بين قوله: " بعتك هذا يوم الجمعة " مريدا به أو جدت بيع يوم الجمعة وقوله: " بعتك هذا بهذا إن جاء يوم الجمعة " لان يوم الجمعة في الاول وصف للمنشأ بخلاف الثاني، فانه قيد للهيئة وشرط للانشاء، والعهدة في حله بجميع