ثانيهما: ان المدرسة الأخيرة، تدعو إلى التعايش مع الناس، و تحمل المسؤولية تجاههم في هدايتهم و إرشادهم، أو في خدمتهم و منفعتهم، أو في الإحسان إليهم، و التالف معهم، أو غير ذلك مما يرتبط بالجماعة و تكاملها كهدف أساس، حيث تقترن فيها سيرة تكامل الإنسان في ذاته، مع مسيرة تكامل الجماعة، و تكامل الفرد مع تكامل الأمة.
و لذلك نجد أبناء هذه المدرسة يتحركون في الأمة و كأنهم أحد أبنائها، و لكنهم في نفس الوقت ليسوا منهم، بل يمثلون النور الهادي فيهم، و الموقع القدوة في حركتهم، و المرتفع المتميز بين سطوحهم و مستوياتهم.
و قد كان الإمام الحكيم (رحمه اللّه)- كما يبدو- من أبناء هذه المدرسة الأخيرة، و لذا لا يبدو في سلوكه الاجتماعي- كما هو شأن سلوك أبناء هذه المدرسة- أي شيء غير عادي، بالرغم من أنه يمتاز في سلوكه الشخصي و الذاتي بشكل واضح.
و يمكن أن نرى ذلك واضحا، عند ما ننظر إلى جميع أبعاد النقاط التي ذكرناها سابقا في البعدين السابقين، بالإضافة إلى النقاط التالية:
1- التقوى و الورع
كان الإمام الحكيم يجسد في مجمل سلوكه الورع و التقوى، و لم يكن ذلك في السلوك الفردي له فحسب، بل كانت هذه الصفة و الملكة تتجسد في سلوكه العائلي، و مع أولاده و أهل بيته، ثم مع ما يحيط به من أشياء كثيرة، فهو ورع، و متق في التعامل مع اللباس، و الطعام، و الشراب، و السكن، و الأموال. و مع الحديث، و الكتابة، و الحوزة العلمية، و العلماء. و مع المرجعية و شئونها، و مع الناس من الأصدقاء و الأعداء، و مع المريدين و المنافسين، و مع المحبين و الحاسدين، و مع الأحداث السياسية و الاجتماعية المختلفة، التي كان يواجهها.
و المهم في التقوى و الورع هو هذه الشمولية، حيث تصبح التقوى في الأمور الاجتماعية السياسية من أشد الأمور تعقيدا، لأن مخالفة الورع و التقوى