المعيشي المتواضع، الذي يدنو في مجمل تفاصيله من الفقراء، و يبتعد عن الأبهة، و الفخامة، و الكبرياء.
كل ذلك و الأموال تجري بين يديه، و الظروف مواتيه، و المقام رفيع، و الإنفاق على الآخرين واسع، و فرض الانتفاع أو الاستمتاع متوفرة دون حراجة، بل كان بعض حاشيته أو متعلقيه أو الطلبة و الأفاضل أو مؤسساته، تحصل على مستوى أعلى بكثير من هذا المستوي من العيش.
لقد كان (زهدا) دون تكلف، حتى تحس بأن الزهد تحول إلى طبع عادى له، يمارسه بين الناس و كأنه ليس منهم، و دون أن يشعروا بانفصاله عنهم، و يلتزم به دون أن يشعر الآخرون بالحرج من هذا الالتزام، و يربي عليه أهل بيته، لأنه خلق رفيع دون أي ضغط أو عنت.
و هذا هو الزهد الإسلامي، حيث يسير على حياة الإنسان في تفاصيل كثيرة، و دائرة شاملة، دون تكلف أو عناء، و ذلك عند ما يتخلّق الإنسان به يصبح ملكة له، فالزهد ليس مجرد مظهر من مظاهر الإنسان، أو مجرد عزلة و عزوف عن الدنيا و الحياة الاجتماعية، و انما هو خلق أنساني رفيع يتعامل به الإنسان إيجابيا مع الحياة الدنيا، يحولها إلى مزرعة مثمرة للآخرة (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)[1].
الثاني: الاقتصاد في الإنفاق مع استيفاء المنفعة
، و تحقيق الغرض، و الاحتفاظ بماء الوجه، و الالتزام بالحدود الشرعية.
لقد كان هذا الاقتصاد يبدأ من نفسه في تفاصيل حركته و علاقاته، و لكنه نراه أيضا يتجسد في أشياء كثيرة معبّرة عن المنهج، حتى البسيط منها كماء وضوئه الذي كان يحرص على عدم الإسراف فيه.
و الأوراق التي كان يستخدمها يقتصد فيها في الإنفاق، حيث يقتطع باقي الرسائل المسودة ليكتب عليه الوصولات المالية، أو بعض المذكرات،