مقاصده بتحريك
لسانه وإشارته بإصبعه ، فلا بد حينئذ له من معرفة المعنى هنا ولو في الجملة حتى
يتحقق منه الإشارة ، ويكون بها مع التحريك كاللفظ من الصحيح الذي لا يحتاج معه إلى
معرفة المعنى ، لأنه قد جاء بما يفيده في نفس الأمر ، ولعله إلى هذا أومأ الشهيد
في المحكي عن بيانه ودروسه وذكراه ، فاعتبر عقد القلب بمعنى القراءة ، بل قال في
الأخير : ولو تعذر إفهامه جميع معانيها أفهم البعض وحرك لسانه به وأمر بتحريك
اللسان بقدر الباقي وإن لم يفهم معناه مفصلا ، وهذه لم أر فيها نصا ، بل لعل ذلك
هو مراد غيره من المتن ونحوه ممن اعتبر عقد القلب بالقراءة ، لكن استشكله في جامع
المقاصد بأنه لا دليل على وجوب ذلك على الأخرس ولا غيره ، ولو وجب ذلك لعمت البلوى
أكثر الخلائق ، والذي يظهر لي أن مراد القائلين بوجوب عقد قلب الأخرس بمعنى
القراءة وجوب القصد بحركة اللسان إلى كونها حركة للقراءة إذ الحركة صالحة لحركة
القراءة وغيرها ، فلا يتخصص إلا بالنية كما نبهنا عليه في جميع الأبدال السابقة ،
وقد صرح المصنف بذلك في المنتهى ، فقال : « ويعقد قلبه لأن القراءة معتبرة ، وقد
تعذرت فيأتي ببدلها ، وهو حركة اللسان ».
وفيه أنه لا تلازم
بين وجوبه على الأخرس وبين الوجوب على غيره حتى تعم البلوى أكثر الخلائق ، على أن
الفرق بينهما بصدور اللفظ المستقل في إفادة المعنى وإن لم يعرفه المتلفظ به من
الثاني دون الأول في غاية الوضوح ، كما أن الدليل عليه بعد أن عرفت المراد من خبر
السكوني وأنه جار على ما هو المشاهد من إبراز مقاصده كذلك بل قد يدعى أن الأصل هو
المعنى ، وانما سقط اعتباره عن الناطق بلفظه رخصة ، فإذا فقد اللفظ وجب العقد
بالمعنى ، على أن المعروف من الأخرس الأبكم الأصم الذي لم يعقل الألفاظ ولا سمعها
، ولا يعرف تلفظ الناس بل يظن أن الخلق جميعا مثله في إبراز المقاصد ، وهذا لا
يتصور فيه عقد القلب بالقراءة وألفاظها ، ولذا قال في كشف اللثام :