مكان ، وكثر الطعن
عليه في جميع البلدان حتى كأنه ممن أبدع بالدين وافترى على الملك الديان » قلت :
لعل الإنكار عليه لبعد إصابته وخطأ جميع من تقدم مع معرفتهم بالأمارات الهيئية ، ولو
جوزنا له نفسه الاجتهاد يمينا وشمالا لشدة معرفته ما كنا لنجوز لغيره تقليده ورفع
اليد عما عليه الناس في تلك الأزمنة ، كما ستعرف تمام البحث فيه عند تعرض المصنف
له ، وليس إنكارهم عليه لأنه أخذ بمقتضى علم الهيئة من حيث أنه كذلك ، وإلا كان
الإنكار منكرا عليهم ، ضرورة جواز الأخذ به ، بل بناء القبلة في سائر البلدان عليه
، لكن على وجه التقريب والمسامحة لا المداقة كما عرفته من النصوص والفتاوى ، والله
أعلم.
وعليهما مبنى
العلامة الرابعة والخامسة ، فإن الظاهر عدم كون القمر كذلك على وجه التحقيق
والتدقيق في جميع الفصول ، فذكر العلامة له في التذكرة والتحرير مبني على ذلك قطعا
، ولذا حكي عنه في بعض كتبه التعبير بقرب القبلة ، ويؤيده إشعار سؤال موثق سماعة [١] بإمكان تعرف
القبلة بالقمر ، بل يمكن للعارف بمنازل القمر وتفاوت ما بينها تعرف القبلة بغير
ذلك ، وأما الرياح فمن الواضح بناء التعرف بها على التقريب ، وأنها أضعف الامارات
، لاضطراب هبوبها ، والمعول عليه منها أربع : أولها الجنوب ، ومحلها ما بين مطلع
سهيل إلى مطلع الشمس في الاعتداليين ، وثانيها الصبا ، ومحلها ما بين مطلع الشمس
إلى الجدي ، وثالثها الشمال ، ومحلها ما بين الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال ،
وتمر إلى مهب الجنوب ، كما أن الجنوب تمر إلى مهب الشمال ، ورابعها الدبور ، وهي
من مغرب الشمس إلى سهيل ، وهي مقابلة الصبا ، ولا يخفى معرفة كيفية ملاقاة مهبها
للعراقي والشامي وغيرهما بعد معرفة سمت كل منهم ، ولعل معرفتها نفسها مع فرض عدم
معرفة القبلة وعدم العلم بمطلع الشمس ومغربها مثلا تحصل برطوبة بعضها
[١] الوسائل ـ الباب
ـ ٦ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٢.