فإنه وان اختلف في
إرادة العصر أو المغرب من أحد الطرفين إلا أن إرادة الصبح من الطرف الآخر لا خلاف
فيها بين المفسرين ولا إشكال ، كما أنه لا إشكال في دخول طرف الشيء فيه ، فيتحقق
حينئذ أن الفجر طرف النهار الأول ، إذ احتمال إرادة طلوع الشمس منه وإطلاقه على
زمان صلاة الصبح مجازا للقرب والمجاورة ـ كما أطنب فيه الإمام الرازي ، بل لعله
يكون شاهدا لمذهب أبي حنيفة من اعتبار التنوير في صلاة الفجر الذي هو أقرب من غيره
في التجوز بإطلاق الطرف عليه ، بل أولى منه ، لأنه أقرب من احتمال إرادة المضيق من
زمن صلاة الفجر مجازا أيضا للمجاورة بقرينة الأمر الذي لا يتم إرادة الوجوب منه
على التعيين إلا بذلك ، وإثبات الصحة حينئذ في غيره لدليل آخر ـ كما ترى ، ومما
سمعت تظهر الدلالة في قوله تعالى [١]( وَمِنْ آناءِ
اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ ) خصوصا مع ملاحظة
المقابلة ، وأن المراد من التسبيح الصلاة ، وقوله تعالى [٢]( سَلامٌ
هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) كما اعترف به غير واحد من المفسرين ، وهو المنساق ، إذ
احتمال جعل الغاية تقييدا لإخراج بعض الليلة لا ينبغي أن يصغى اليه ، وقوله تعالى [٣]( وَاللَّيْلِ
إِذْ أَدْبَرَ. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) ضرورة اقتضاء
المقابلة خروج الصبح عن مسمى الليل ، مع أن الظاهر إرادة القسم بوقت واحد الذي هو
إدبار الليل وإقبال الصبح ، لتلازمهما أو ترادفهما ، كما يومي اليه ما عن الرازي
في قوله تعالى [٤] : ( وَاللَّيْلِ
إِذا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ) فلاحظ وتأمل
ليظهر لك أن الآية الأخرى دليل آخر على المطلوب سواء أريد من « عسعس » الإقبال أو
الادبار ، وقوله تعالى [٥] : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ
الْمُجْرِمُونَ ) لما ستعرف