إلى إطلاق الأمر
بالتعزي والتزاور وغيرهما ، فما في المبسوط من أنه يكره الجلوس للتعزية إجماعا
وتبعه ابن حمزة والمصنف في ظاهر المعتبر كما عن العلامة في المختلف لا يخلو من ضعف
، مع أنا لم نعرف أحدا ممن تقدم نص على الكراهة ، ولا أشير إليها في رواية.
وما يقال من أن في
ذلك منافاة للرضا بقضاء الله والصبر ونحوهما كما ترى لا وجه له ، ولا اقتضاء فيه ،
بل ربما كان الأمر بالعكس ، وأوامر المأتم تشهد بعدمه أيضا ، وروى الصدوق [١] « أنه أوصى أبو
جعفر عليهالسلام أن يندب في المواسم عشر سنين » وفي
خبر الكاهلي عن أبي الحسن عليهالسلام[٢] « كان أبي يبعث أمي وأم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة » إلى
غير ذلك.
ومن هنا أنكر ابن
إدريس على الشيخ إجماعه ، وقال : « إنه لم يذهب أحد من أصحابنا المصنفين إلى ذلك ،
ولا وضعه في كتاب ، وإنما هذا من فروع المخالفين وتخريجاتهم ، وأي كراهة في جلوس
الإنسان للقاء إخوانه والدعاء والتسليم عليهم ، واستجلاب الثواب لهم في لقائه
وعزائه » ومال إليه جماعة ممن تأخر عنه منهم الشهيد في دروسه وذكراه وبيانه ،
واعترضه المصنف في المعتبر بأن الاجتماع والتزاور من حيث هو مستحب ، أما إذا جعل
لهذا الوجه واعتقد شرعيته فإنه يفتقر إلى الدلالة ، واستدل بالإجماع على كراهيته ،
إذ لم ينقل عن أحد من الصحابة الجلوس لذلك ، فاتخاذه مخالف لسنة السلف ، لكن لا
يبلغ أن يكون حراما ، وفيه أن عدم فعل السلف له لا يقتضي الكراهة ، فلعله مباح
النظر إلى خصوصيته كما لعله الأقوى ، إذ لا رجحان لهذه الهيئة بخصوصها وإن كان
ربما ترجح بالعارض ، كما أنه قد تكون مرجوحة ، بل قد يصلان إلى حد الوجوب والحرمة
كما في مثل زماننا الآن بحسب الجهات والاعتبارات ، وذلك أمر خارج عن محل النزاع ،
إنما الكلام في الجلوس للتعزية من حيث هو ،
[١] الوسائل ـ الباب
ـ ٦٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢.
[٢] الوسائل ـ الباب
ـ ٦٩ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ١.