إذ لا تنافي بين
الجواز والضمان. وعلى كل حال فلا خلاف ولا إشكال في التضمين بالتسبيب في الجملة.
( لكن إذا اجتمع السبب والمباشر قدم
المباشر في الضمان على ذي السبب ، كمن حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدفع غيره فيها
إنسانا فضمان ما يجنيه الدفع على الدافع ) لما عرفته من تقديم المباشرة على التسبيب الذي لم أجد فيه خلافا بينهم ، بل
أرسلوه إرسال المسلمات في المقام وفي القصاص والديات ، بل عن كشف اللثام الإجماع
عليه ، بل في مجمع البرهان « إن من المعلوم عقلا ونقلا إسناد الفعل إلى القريب دون
البعيد الذي هو سبب السبب وله مدخلية ما في ذلك الشيء ، وهو ظاهر ، وكأنه مجمع
عليه ».
قلت : وهو كذلك ،
بل لعل التضمين بما ذكروه من السبب الذي قد عرفت كونه من الشروط باعتبار قربه إلى
علة التلف ، فهو أقوى من غيره من الشرائط التي لها مدخلية في التلف أيضا ، إلا أن
القريب منها سموه بالسبب وجعلوا التضمين به ، ولا ريب في أن المباشرة أقرب منه ،
بل السبب في الحقيقة قد صار من آلات المباشر في مباشرته ، كقتله بالسيف والدفع في
البئر وإلقائه على السكين المغصوب مثلا ، واغراقه في الماء الذي وضعه الغير وهكذا.
إلا أنه مع ذلك
كله قد ناقش فيه في الرياض بأن القوة لا تدفع الضمان عن السبب بعد وجود ما يقتضي
ضمانه أيضا ، وهو ما مر من حديث نفي الضرر [١] ولا امتناع في الحكم بضمانهما معا وتخير المالك في الرجوع
إلى أيهما شاء كالغصب ، فلولا الإجماع الظاهر المعتضد بالأصل لكان القول بضمانهما
كترتب الأيدي في الغصب في غاية الحسن.