وفاقدهما جامع فيه
أمرين يقتضي كل منهما حسن تركه ، لقوله تعالى [١] : ( وَسَيِّداً
وَحَصُوراً ) في مدح يحيى على نبينا وآله وعليه
السلام. وقوله عز وجل [٢] : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ
الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ) إلى آخره. فيكون مكروها ، وأما من كان واجدا لأحد الوصفين
دون الأخر فهو جامع بين جهتي حسن النكاح وحسن تركه ، فيتعارض الوجهان فيه ويثبت له
حكم الأصل السالم عن المعارض أعني الإباحة ، وفيه منع اقتضاء كل من عدم الشهوة
وعدم القدرة حسن ترك النكاح ، والاستدلال بالآيتين على ذلك قد عرفت ضعفه مما تقدم.
وكيف كان فهل هو
أفضل أم التخلي للعبادة؟ قولان : أقواهما الأول ، لما في ترك النكاح والاشتغال
بالعبادة والرياضة من الرهبانية المنفية في هذه الشريعة ، فعن تفسير علي بن
إبراهيم [٣] في تفسير قوله [٤] تعالى ( يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ) الى آخره « إنها
نزلت في أمير المؤمنين عليهالسلام وبلال وعثمان بن مظعون ، فأما أمير المؤمنين عليهالسلام فحلف أن لا ينام
بالليل أبدا ، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا ، وأما عثمان بن مظعون
فإنه حلف أن لا ينكح أبدا ، فدخلت امرأة عثمان على عائشة ، وكانت امرأة جميلة ،
فقالت عائشة : ما لي أراك متعطلة؟ فقالت ولمن أتزين؟ فو الله ما قربني زوجي منذ
كذا وكذا ، فإنه قد ترهب ، ولبس المسوح ، وزهد في الدنيا ، فلما دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبرته عائشة
بذلك ، فخرج فنادى الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ، ثم قال : ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات إني أنام بالليل ، وأنكح
وأفطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس مني ، فقام هؤلاء ، فقالوا : يا رسول الله قد
حلفنا على ذلك