كما أن التردد في
الجواز واللزوم بعد فرض عقديته في غير محله ، ضرورة أن الأصل في العقد اللزوم ،
لعموم ( أَوْفُوا )[١] والاستصحاب الذي
مقتضاه ذلك أيضا ، وإن لم نقل بعقديته ، وما في المختلف « من أن المراد من الأمر
بالوفاء بالعقد العمل على مقتضاه إن كان جائزا ، وليس المراد مطلق العقود ، وإلا
لوجب الوفاء بالجائزة » واضح الفساد ضرورة ظهور الأمر بالوفاء بالشيء التزامه
والعمل به ، لا العمل بمقتضاه من جواز أو لزوم ومن هنا كان طريقة الأصحاب حتى هو
الاستدلال بها على اللزوم ، وإلا كان دورا واضحا وخروج العقود الجائزة منها للأدلة
، لا ينافي بقاء حجيتها في الباقي.
وبذلك كله ظهر لك
أنه لا إشكال في اللزوم على تقدير عقديته الذي قد عرفت ثبوتها من التسالم المزبور
، بل ومن أن ثبوت العوض في ذمة المسبوق ، مع فرض كون الإيجاب من السابق من الأمور
التي لا تثبت إلا بالعقود ، المعلوم كون موردها نحو ذلك بخلاف موارد الإنشاء ، على
أنه على فرض الشك في كونه عقد أو غيره ، فالأصل عدم ترتب الأثر بالإيجاب خاصة ،
ولا ينافيه إطلاق المسابقة بعد فرض الشك فيها ، وفي الرياء بعد الفراغ من عقديته
قال : « وحينئذ الأجود الاستدلال على اعتبار القبول أن يقال إن الوجه فيه ظاهر على
القول باللزوم ، وكذا على القول بالجواز ، بناء على أن لزوم العوض المبذول بعد
العمل للسابق على المسبوق لا يتأتى إلا على اعتبار قبوله ، إذ لولاه لأمكنه
الامتناع من بذله بعد العمل ، مدعيا عدم رضاه بالإيجاب ، ولعله خلاف الإجماع ، بل
العوض لازم عليه بهذا العمل كالجعالة بلا خلاف ، ولا يتم ذلك إلا بالإجماع لكن هذا
إنما يجري لو كان السابق هو الموجب ، ولو انعكس أمكن عدم الاحتياج إلى القبول
كالجعالة ، وإلا أنه يمكن التعميم بعدم القول بالفصل فتأمل ».
وفيه ، أولا : أنه
لا حاجة إلى هذا الاستدلال ، بعد فرض معلومية كونه عقدا ، لما هو معلوم من أنه
المركب من الإيجاب والقبول ، سواء كان جائز أو لازما.
وثانيا : أن
المراد اعتبار القبول العقدي ، واللزوم بعد العمل يمكن أن يكون لحصول الرضا ، وإن
لم يكن على جهة القبول العقدي كالجعالة :